القائمة الرئيسية

الصفحات

 


مراد الداغستاني ابن الموصل الحدباء

مراد الداغستاني صاحب الفن البصري والكلمة الفوتوغرافية

حياته

مراد الداغستاني من مواليد مدينة الموصل عام 1917، أنهى دراسته الثانوية في الموصل عام 1940، وبدأ اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي عام 1935، كان الداغستاني في الأربعينات من أبرز مصوري الموصل إلى جانب آكوب وسركيس الارمنيين إذ نزحت أسرتهما من إلى الموصل بعد مذبحة الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى ألا أن سركيس مات في الخمسينات وآكوب شاخ فأنفرد مراد الداغستاني كأفضل مصور في مدينة الموصل، كذلك على صعيد العالم.

توفي في 27 تموز عام 1982، بعد صراع مرير مع المرض، حيثُ رحل الفنان العالمي الموصلي الفوتوغرافي الكبير مراد الداغستاني إلى دنيا الآخرة، تاركاً ألاف الصور الفوتوغرافية التي قام باقتناصها، لتبقى حية في ذاكرة محبي وعشاق فن التصوير الفوتوغرافي ومحبي الراحل رائد فن الفوتوغراف في العراق رحمه الله.




الأعمال الفنية

ركّز الداغستاني في أعماله على تصوير حالات وحركات لا تتكرر مرة أخرى، شعورية تنشأ في حالة ظرفية محددة، إذ بداء رحلته التصويرية في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال بين الشعوب كما هي عليه اليوم، حيث استطاع الفنان الفوتوغرافي العالمي الموصلي، وبجهوده الشخصية أن يشارك في أكثر من تسعين معرض للتصوير الفوتوغرافي داخل العراق وخارجه .


العرضحالجي



وعن الصورة الفوتوغرافية التي يقتنصها الفنان الداغستاني يقول الدكتور نجمان ياسين في كتابه (مراد الداغستاني جدل الإنسان والطبيعة)، بقوله: "إن صور الفنان مراد الداغستاني التي يسجلها بعدسته ذات سمه إبداعية أكثر مما هي تسجيلية ، حيث تقترب من اللوحة بما تضم من هاجس سحري داخلي وتوهج مرهف".


فنه التصويري

شارك الفنان مراد الداغستاني في أكثر من ثمانين معرض دولي في أوربا والأمريكتين منها:

-       معرض الإنسان والبحر في يوغسلافيا عام 1965.

-       معرض مائة صورة عالمية في المانيا.

ظهرت صوره في عشرات الألبومات الخاصة بالتصوير الفوتوغرافي العالمي ونشرت عنه عدة دراسات تحليلية في مجلات عالمية منها مجلة (التصوير الفوتوغرافي) الانكليزية والمجلات العراقية والعربية.

فاز بالميدالية البرونزية في يوغسلافيا وحصل على شهادات تفوق من (المانيا، والبرازيل، وفرنسا، والصين)، حصل على شهادة الإبداع من البرازيل وكان في طليعة ثمانية فنانين منحوا هذه الجائزة.

قدم الداغستاني صور حية للكادحين في لحظات إنسانية تدل على ذكاء الاختيار والقدرة على الأبصار والتأثير واقتناص ابرع اللقطات المعبرة بين الإنسان والطبيعة مسجلاً أدق الملامح الشعبية للوجوه والأماكن، عرضت صوره في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم منها (فرنسا وايطاليا، ويوغسلافيا، وانكلترا، والسويد والأرجنتين)، منحته الدولة هدية تقديرية عام 1975 وكرمته بين الأوساط الثقافية الرسمية في محافظة نينوى ونحت له الفنان هشام سيدان تمثال نصفي، وافتتح وزير الأعلام معرض الداغستاني الأول  ببغداد علي قاعة جمعية الفوتوغرافيين العراقيين.




على مدار عقود طويلة أنتجت الساحة الفوتوغرافية العراقية العديد من الفنانين الفوتوغرافيين المبدعين والذين تركوا بصمه واضحة عبر منجزهم الإبداعي الذي يعدّ الأرشيف والإرث الفوتوغرافي العراقي ورغم ذلك تميزوا بتنوع الأساليب والرؤى رغم أن الثيمة الأساسية كانت الإنسان والمدينة والهم اليومي وطبقه الكادحين والفقراء والبسطاء الذين احتوتهم تلك المدن الواسعة المليئة بالصخب والحياة والإثارة، رغم وجود طبقات ثرية وطبقات معدومة لكنك تشعر عن طريق قراءة الصورة حجم الابتسامة الكبيرة على تلك الوجوه التي تجاهد وتكافح كل يوم من اجل لقمة العيش فكان الإنسان محورا مهما للعديد من المصورين المبدعين الذين استخدموا العدسة بأسلوب ضمن لهم البقاء في ذاكرة الإبداع العراقي.

توطئة

الحديث عن التصوير الفوتوغرافي في العراق لا يمكن أن يكتمل من دون المرور بالمبدع الكبير مراد الداغستاني، والتي كانت أعماله وما زالت تشكل الكثير في الذاكرة، فقد حمل كاميراته في ريعان شبابه ليسجل بعين واعية وفكر ثاقب وإحساس مرهف حياة الموصليين، كما والتصق بالوجوه التي يقسو عليها الزمن والأيادي التي يغزوها خريف العمر وبقايا سكائر اللف الموجعة بالتبغ، فالتقط بعدسته أجمل اللقطات التي أصبحت قراءة متأنية لمرحلة من الزمن وتسجيل وتوثيق لتاريخ مدينة عبر صورة مليئة بالحياة ومفعمة بالأحاسيس لقد كان يعاني كثيرا في مجتمع منغلق رغم بساطة العيش، يجلس على دكات المنازل متأملا تلك البيوت التي تعانق غيوم الشتاء يطالع أجنحة الحمام وهو يحلق ويحط على زوايا المكان، يتابع صرير عجلات العربات التي تسحبها الخيول التعبة من كثرة الإجهاد يغلق عينه على مشهد عابر فيجعل تلك المعاناة طريقاً للنجاح ليمضي مع الشمس حين تسقط في النهر يتحسس برودة الضفاف الرطبة و يقاسم الصيادين لحظات امتلاء شباكهم بالسمك وامتلاء عدسته بالضوء الذي يشكل تفاصيل الحياة في صورة فنية وعمل فوتوغرافي كبير تلتمسته الأجيال من بعده، فقد اتخذ عنواناً لإعماله بعنوان الموصل، بفرحها وحزنها وسعادتها وعرق العمال الفرحين السعداء بيومهم الطويل، أغاني الفلاحين في يوم الحصاد، يراقب طعم الاطمئنان على وجوههم الحالمة بصباح جديد ويوم أخر مليء بالنشاط والحيوية فيض المشاعر الإنسانية التي كانت تتأرجح في روحه المبدعة تركت فيه أثار السرطان الذي أنهك جسده ولم ينهك عينه الباحثة عن الضوء والوجوه الموصلية ورغم قسوة المرض وشدته كان يجد في حياة الناس حلما يكبر في فضاءات الروح يقاسمه الألم ويترك ابتسامة كبيرة على وجه استطاع أن يضع فنه في أولويات الكتب العالمية الباحثة عن سحر الشرق وجمال الروح والإنسان.

 داعبت الكاميرا عين الداغستاني منذ عام 1935 وأغمض عينه للمرة الأخيرة على مشهد مظلم عام 1982 تاركا خلفه كنز كبير من الإبداع وتاريخ وثقه بعدسة عانقت فيه روحه الندية سنين الألم الطويلة، فقدم صور بألوان باهرة بلقطات بالأسود والأبيض، ترك الداغستاني أرشيف يوثق لزمن آفل، وما التقطه من صور لعامة الناس في أستوديو مراد في الموصل لا يزال موزّعا بين المنازل العتيقة وفي ألبومات ذكريات الراحلين وأحفادهم.


فلسفة العدسة

توثيق فلسفة تصوير مراد الداغستاني، مهمّة أناط بها نفسه الفوتوغرافي العراقي هيثم فتح الله عزيزة في كتاب (مراد الداغستاني بين الفن البصري والتشكيل الفوتوغرافي)، عندما جمع ما هو متاح من أرشيفه الصوري في دراسة فنية استثمر فيها خبرته العلمية والفنية بقراءة تلك الصور التي لم تفقد دهشتها أمام العيون وبعد عشرات السنين من التقاطها.

وحلّل صوراً باتت توثق ليوميات الفلاحين والصيادين والبدو الرحل وكاتبي العرائض والمتصوّفين وجميلات العراق وشواطئ الأنهار وأفران الفخار والأسواق العتيقة، تركها الداغستاني كوثيقة تنبض بالحيوية عن تاريخ عراقي مثير للحنين والتساؤل معا.

كما واكتفى هيثم عزيزة بتعليقات عن طبيعة الصورة وطريقة التقاطها وطباعتها، تمثل رؤيته الفوتوغرافية بنتاج الداغستاني، بينما بدت الحاجة النقدية والفنية عاجلة وملحّة إلى إعادة قراءة هذا النتاج الباهر وعدم الاكتفاء بالقراءة الانطباعية، فالداغستاني أكثر بكثير من مصوّر فوتوغرافي، بل إنه فنان سبق عصره بعدسات بدائية نسبيّاً، عندما قرأ فلسفة الظل والضوء برؤيا فيزيائي ملمّ.

فالداغستاني لا يكتفي بدراسته الإعدادية وعدم إكمال دراسته الجامعية، إنه على درجة متقدمة من الرؤية والعمق الحسي وثقافة تحليل المحيط وتداعياته، يكشف لنا ذلك ما تركه من إشارة بلغة إنجليزية عميقة على بعض صوره، فثقافته جعلته يتقن إضافة إلى العربية اللغات الأرمينية والتركية والإنجليزية، وهذا قدر كاف جعله يطّلع على ما يجري من فن التصوير في العالم.

كل صور الكتاب بالأسود والأبيض، وذلك من حسن حظ الفوتوغراف! لأنه لم تكن أمام الداغستاني قبل رحيله فرصة للحاق بالتصوير الملون الذي دخل العراق في فترات متأخرة، مع أنه شارك في عدة دورات للتصوير بالألوان لدى شركة أكفا كيفرت الألمانية.

الأهم من ذلك وفق تعبير المؤلف هيثم عزيزة أن التصوير الملون لم يستهوي الداغستاني كثيراً، ويرى فتح الله أن الداغستاني عزف عن التصوير الملون ولم يرق له، لأن فكرة التصوير آنذاك كانت تقتصر على ما يسجّله المصور بعدسته فقط ويترك الباقي من غسيل للصور للمختبرات التي كانت تتحكّم بألوان الصور وأحجامها، وبذلك يضع المصور نتاجه تحت رحمة غيره! ومن هنا أصبح التصوير الملون بالنسبة إلى مراد مجرد تسجيل واقع على سطح الفيلم الحساس دون أن يكون له دور في معالجة الصور بيديه، فاختفى الإبداع بالصور وأصبحت اللقطة هي التي تتكلم بنفسها عن الواقع دون أن يكون هناك تأثير فني على منطوق الصورة، وهذا ما يجعلها لقطة جامدة لا تروق لذائقة مراد الفنية.

عندما يقرأ فتح الله بوصفه فوتوغرافياً محترفاً وقبل ذلك دارس لعلوم الفيزياء، كيف صنع الداغستاني صوره بما كان يمتلكه من عدسات بسيطة، يرى من الصعب تقبل ذلك من دون دراية علمية في فن الفوتوغراف وعلم الضوء، في إشارة إلى أنه مبدع سبق عصره.

ويعبّر عن توقعه بالقول "لو توفّر للداغستاني ما توفر اليوم من برامج رقمية للتصحيح والإضافة الصورية وكاميرات رقمية وفلترات وأجهزة الإنارة بمختلف أشكالها التي تستخدم اليوم بالتصوير الحديث، لأنتج لوحات بصرية تفوق مستوى الخيال لما يمتلكه من حسّ فني وثقافة بصرية تسمح له أن يتفوق على الكثير من مبدعي التصوير في عصرنا هذا".


الرجل الافغاني


الداغستاني وكارش

يحاول مراد الداغستاني في كل صوره الشخصية التي التقطها لأصحاب الحرف والمجانين والعامة من الناس، أن يعرّي الوجه البشري من الداخل، الأمر الذي دفع هيثم فتح الله عزيزة إلى البحث عن الرابطة التي تجمع تأثر الداغستاني بالمصور العالمي يوسف كارش الذي التقط صور لكبار الساسة في العالم، إذ أن صورة ونستون تشرشل يتكئ على قدمه الرابعة من دون أن يكون السيجار في فمه تعدّ علامة فوتوغرافية تاريخية في البورتريه تركها لنا إرث يوسف كارش، ثم صورة الممثل الأميركي همفري دي فورست بوكارت التي التقطها كارش عام 1947.

وهناك العديد من نتاج الداغستاني ما يمثل ذلك خصوصا ما يتعلق بتوزيع الإنارة، كما في صورة الأفغاني في داخل أستوديو مراد في مدينة الموصل، كما التقط أكثر من صورة لشخصية تستهويه كما في وجه الرجل الذي أظهر قسوة نظرته وصلابة شخصيته، وصور أخرى للرجل نفسه عندما عمل أمام وجهه هالة ضبابية ليظهره بملامح حادة، إذ كان الداغستاني شخصية مزاجية في اختيار من يصوره، فإذا ما وجد بالشخص المقابل إمكانية إخراج ما بداخل هذه الشخصية قام بتصويره وإذا ما شعر بعدم ارتياحه للشخص الذي أمامه اعتذر منه بشتى الوسائل ومنتهى الأدب، وهذا يفسّر لنا لماذا تتوفر في أرشيفه عدة لقطات لوجه واحد.

كما يجري مؤلف كتاب (مراد الداغستاني بين الفن البصري والتشكيل الفوتوغرافي) مقارنة تكشف لنا تأثر الجيل الذي ظهر بعد الداغستاني بكل لقطات هذا الفنان العراقي الرائد، فناظم رمزي مثلاً التقط صورة للدراجة في باريس عام 1965، هي نسخة طبق الأصل من صورة الدراجة التي التقطها الداغستاني في الموصل، نسخة في الفكرة والرؤية التسجيلية، كما في صورة اللقطة على نهر دجلة التي ماثلها رمزي في صورة من ساحل بيروت التقطها عام 1975، والصورة المثيرة للجدل التي وثقها ناظم رمزي خلال زيارته للإسكندرية عام 1958 المأخوذة من الأعلى للعربات والخيول، هي نفس اللقطة التي وثقها الداغستاني من الأعلى لعربات الخيول في الموصل.

كذلك الحال مع لقطات الفنان الرائد لطيف العاني، كما يظهر لنا هيثم فتح الله مقارنة دقيقة في النص والصورة المنشورة للقطة الغروب عند الداغستاني والعاني التي التقطها عام 1965. على الرغم من اختلاف روحية المكان إلا أن التأثر واضح في تأمل الصورتين معا.

يجمع لنا فتح الله بجهد تأملي موثق لعدد من الصورة  لجيل من الفوتوغرافيين العراقيين المتأثرين بشكل لا لبس فيه بأسلوب الداغستاني مثل لطيف العاني وأواديس ماركاريان الذي عرف باسم كوفاديس لاحقاً، الذي استخدم نفس تكنيك الداغستاني خصوصا ما يتعلق بدمج الفيلم السالب مع الفيلم الموجب للحصول على صورة مغايرة فيها لمسة تشكيلية، كذلك نور الدين حسين الذي لازم الداغستاني في جولاته الفوتوغرافية وأنتج لاحقا العديد من الصور متأثرا بأفكار أستاذه مراد.

يمتد تأثر الفوتوغرافيين العراقيين بالداغستاني إلى عقدي السبعينات والثمانينات، ففؤاد شاكر كان يحتفي بالأسود والأبيض ولا يطيق الصورة الملونة وأنتج صورا في غاية التعبيرية تحتفي بالظل والضوء اللذين كانا الشاغل الأساسي للداغستاني، كذلك استلهم هادي النجار أعماله من الدروس الفنية التي تركها الداغستاني منذ أول وهلة شاهد فيها أعماله.

سامي النصراوي مؤسس جمعية التصوير العراقية في سبعينات القرن الماضي كان لا يخفي تأثّره بأعمال الداغستاني عندما كان يلازمه في كل زياراته إلى بغداد قادما من الموصل، ويظهر لنا كتاب فتح الله صورة السوق عند الداغستاني والنصراوي والرؤية البصرية المتطابقة بين الصورتين.

في هذا الكتاب متعة تأمل لا تضاهى للقطات من الحياة برمتها في العراق وبعض مدن العالم عرفت في وثائق الداغستاني، تكفي الإشارة إلى صورة كاتب العرائض (العرضحالجي) التي وثقت مشهدا باهرا عن بدائية الحياة في العراق آنذاك، وهي درس باهر في التقاط اللحظة الهاربة، صورة البدوية على هودج الجمل، المصور الشمسي المنحي الظهر وهو يحمل الكرسي المطوي، الصيادون، الجسور... لكن ذلك لا يكفي بالنسبة للمطالبين بإعادة قراءة هذا النتاج المهمّ في تاريخ التصوير العراقي والعربي، فهيثم فتح الله اكتفى بملاحظاته على الصور، بينما ما نحتاجه أكثر من ذلك في دراسة نقدية ومعلوماتية شاملة عن سيرة وطبيعة حياة مراد الداغستاني، الذي لم يحظ بغير دراسات محدودة وحوارات نادرة في الصحافة العراقية حتى رحيله عام 1982.










محل مراد للتصوير في الموصل


المصادر//

-        middle-east-online.com

-        www.baytalmosul.com

-       الفنان الفوتغرافي مراد الداغستاني – وكالة ايمج نيوز نسخة محفوظة 14 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.مراد الداغستاني، قراءة جديدة في أرشيفه الفوتوغرافي.

  الفنان الفوتوغرافي الرائد مراد الداغستاني 1917-1984.

تعليقات

التنقل السريع