 |
بهنام أبو الصوف |
الاثورين الحاليون وعلاقتهم بالأشوريين القدماء سكان العراق الأصليين
بهنام أبو الصوف
بعد سقوط الإمبراطوريتين الأشورية والكلدية
(البابلية الثانية) في 612 ق.م - 539 ق.م على التوالي, انتهت تقريباً اللغتان الأشورية
والبابلية من التداول في بلاد الرافدين والأقطار المحيطة، والتي كانت في فلك هاتين
الدولتين ماعدا استمرار الخط المسماري في بعض المدونات الكهنوتية والتراثية، وأخرها
وجد في مدينة الوركاء في الزمن السلوقي بعد الأسكندر بسنوات حوالي 200 ق.م، وهكذا
حّل محل اللغتين أعلاه في التداول وفي المكاتبات الخط واللغة الآرامية، وأصحابها
كانوا يتغلغلون في بلاد الرافدين وأقسام من إيران والخليج العربي خلال النصف
الثاني من الألف الثاني ق.م، قادمين في الغالب من بلاد الشام، حيث كانوا قد
استقروا في أواسط الألف الثاني ق.م مهاجرين إليها من شبه الجزيرة العربية كسابقيهم
من الهجرات الاكدية والامورية في الألف الثالث ق.م.
اللغة
حلت اللغة الآرامية والخط الآرامي في معظم
بلاد الرافدين غربي دجلة وفي الشمال وكل بلاد أشور وهذا كما أسلفت أعلاه بعد سقوط الأشوريين
والكلديين، تجاورهم إلى الشرق من دجلة وفي كل بلاد إيران اللغة البهلوية والخط البهلوي
(لغة وخط الدولة الأخمينية المنتصرة التي احتلت بابل في 539 ق.م).
وبسبب هذه الأحداث لم يتبق في بلاد الرافدين
أية لغة آشورية أو كلدية (بابلية) ما عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المعابد
والمراكز الدينية المحافظة، وهذه كانت أيضاً في طريقها إلى
الانقراض، كما انقرضت قبل هذا بأكثر من ألف سنة اللغة السومرية من
المعابد بعد سقوط آخر كيان سومري في أواخر الألف الثالث ومطلع الألف الثاني ق.م
بعد سقوط دولة أور الثالثة في أور في 2006 ق.م.
إن آخر كيان سياسي للأشوريين بعد خروجهم من
نينوى وأشور كان في حرّان حيث قضى عليه نبوخذنصّر، العاهل الكلدي البابلي قبل 605
ق.م وعاد إلى بابل لاستلام الحكم بعد وفاة والده نبوبلاصر، مؤسس السلالة
الكلدية البابلية الأخيرة.
وتأسيساً على هذا نجد أن من كان يتكلم
ويتعامل باللغة الأشورية لغة الحاكمين في الإمبراطورية الأشورية وفي كل بلاد
الرافدين وأطرافها الشمالية والجبال وشمالي سوريا قد انقرضوا تماماً في مطلع
القرنين الخامس والرابع ق.م وما بعدهما حتى مجيئ المسيحية إلى هذه البلاد بعد
انتشارها في بلاد الشام أولاً.
في القرن الأول الميلادي كانت اللغتين
السائدتين هما الآرامية في بلاد الشام مع اليونانية (لغة المنتصرين في اليونان بعد
الأسكندر) والفارسية (البهلوية) في شرقي بلاد الرافدين وبلاد إيران (وهي لغة
المنتصرين الأخمينيين والبارثيين والساسانيين)، وحتى مجيئ الفتح العربي الإسلامي في
مطلع القرن السادس الميلادي (بعد 537م) وبدأت اللغة العربية ومن ثم خطها يحل محل
الفارسية في شرق العراق كما صار يزاحم الآرامية (التي صارت تدعى ألان السريانية من
سورث أي سوريا)، بعد أن تبنى المسيحيون الجدد هذه اللغة وأطلقوا عليها السريانية لأنهم
اعتبروا الآرامية هي لغة الوثنيين فصارت معظم مدن بلاد الرافدين وبلاد الشام تتكلم
العربية (لغة الفاتحين الجدد)، وقد استمرت السريانية (وريثة الآرامية) في
الكنائس ولدى بعض القطاعات المحافظة في بلاد الرافدين وبلاد الشام، إلا أنها استمرت
كلغة التداول خارج المدن وفي قرى وقطاعات منعزلة في كل بلاد الرافدين وبلاد الشام
ولا زالت، حتى مسيحي الجبال في الهكاري وجزيرة ابن عمر وشرقي بلاد الأناضول
وقرى شمال العراق وشمال شرقه وأطراف بحيرة وان استمرت هذه الأقوام تتحدث بالآرامية
ووريثتها السريانية.النسطورية
إعتنق سكان جبال وقرى ومدن الجزء الشمالي
الشرقي من العراق وامتداداتها في بلاد إيران والأناضول الديانة المسيحية بمذهب يدعى (النسطورية)
نسبة إلى الأسقف (نسطوريوس) أسقف القسطنطينية والذي أسس المذهب في 431 م، بعد حرمانه وطرده من
الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، ويطلق على كنيسة النساطرة-الكنيسة الشرقية في الحقيقة أن أتباع هذا المذهب وجلهم من
سكان الجبال والقرى الشمالية للعراق وشمالي غرب إيران وشرق الأناضول هم بقايا الأقوام والقبائل الآرامية القديمة
(كما تم تبيانه أعلاه).
في القرن الخامس عشر قامت الكنيسة
الكاثوليكية بجهد كبير لغرض تحويل أتباع الطائفة النسطورية الشرقية إلى المذهب
الكاثوليكي وقد نجحت جزئياً بذلك وحينما أرادوا إطلاق تسمية على معتنقي
الكاثوليكية في العراق أسموهم (الكلدان) وذلك باعتبار أنهم من أرض بابل (الكلدية)
وليس لأنهم من سلالة الكلديين المنقرضين، إذا هي لا تعدو كونها مجرد تسمية للتعريف
جغرافياً.
أصل الأسم
أما عن جذور الاسم (أثور من أشور) فانه في أواخر
القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ظهر مطران مسيحي (كلداني - كاثوليكي) واسمه
(المطران أدي شير) ومؤلفه القيم الموسوم (كلدو - أثور)، من عندها ابتدأت هذه الأقوام
تداول المصطلح (أثور) كنوع من تأسيس لهوية تحفظ لهم كينونتهم، اشتد الضغط على الأقليات
العرقية والدينية واضطهاد الترك والكرد للأقليات بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى
وحصول واقعة مذابح الأرمن بعد 1915 بسبب موقفهم المناوئ للدولة العثمانية حينها ومساندتهم
لروسيا القيصرية مما عد حينها صراع عسكري-ديني.
أنسحب الأمر على جميع المكونات المعتنقة
للديانة المسيحية في العراق حينها وأخذ كل مذهب يحاول تأسيس هوية معينة للتعريف
والتميز والحفاظ على كينوته من الضياع والانقراض ووجد النساطرة ضالتهم بالتسمية
التي أطلقها المطران (أدي شير) عليهم (الاثورين(.
الغزو البريطاني
حين حل الاحتلال البريطاني في المنطقة عقب
خسارة الحلفاء الحرب وسقوط الإمبراطورية العثمانية بعد 1918 وجد في المكون الاثوري
عنصر حليف ومخلص بسبب عقدة الاضطهاد الديني والعرقي التي عانوا منها الأمرين أبان
الدولة العثمانية، شكل الأنكليز فوجاً عسكرياً من الاثوريين بأسم (قوات الليفي أي
الموالين)، ومنح بعض منهم الرتب العسكرية المختلفة, وبقي هذا التشكيل حتى مطلع
الخمسينيات من القرن المنصرم وأخذت هذه القوات تحرس القواعد والمطارات البريطانية
في الموصل والحبانية والبصرة وربما كركوك.
وقد أجاد المحتل البريطاني المشهود له
بدهائه وخبثه أن يوظف الموروثات والتسميات ويرقع منها ما يناسب كسب الأقليات
بالعزف على أوتار التفرقة بنغمة تروق لكل منها (شيعة وسنة ومسيحيين ...الخ)، فأخذ
يدفع بإتجاه استخدام مصطلح أشوري بدلا من أثوري وان جنود فوج الليفي من سكنة القرى
والجبال من النساطرة هم ورثة وأحفاد الأشوريين المقاتلين الأشداء، وحينها تمت
عملية التجيير الرسمي لمصطلح المطران (أدي شير) الاثوريين الى الأشوريين وتمسك الأخوة
النساطرة بهذه التسمية إلى حد الساعة.
إذاً المحصلة النهائية التي نخرج بها أن الأخوة
(الاثوريين) بحسب مصطلح المطران (أدي شير) هم آراميون - سريان - من أتباع الكنيسة
النسطورية (الشرقية) ولا يوجد أي سند مؤيد من جهة علمية تاريخية أو انثروبولوجية أو
عسكرية بريطانية أو هيئة كنسية فاتيكانية تؤيد بالإثبات التأصيل التاريخي أنهم أحفاد
الأشوريون (سكان العراق القديم).
المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يوجد للمدونة
توجه حول ما تم ذكره أعلاه
مراجع :
- د بهنام أبو الصوف, جدل الهويات ما بين سكان العراق القديم (الأشوريون
والكلديون) و سكان العراق الحديث (الاثوريون والكلدان).
- د. طه باقر , مقدمة في تاريخ الحضارات, الأشوريين وأصولهم.
يوسف ملك خوشابا حقيقة الأحداث الاثورية
المعاصرة.
1936-رياض رشيد ناجي الحيدري , الاثوروين في العراق 1918.
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع