العهد الملكي في العراق 1921 – 1933
سوف نتناول في هذه المنشورات العهد الملكي من خلال تسليط الأضواء على المؤسسة الملكية من خلال فترة حكم الملك فيصل الأول، وفترة حكم ابنه الملك غازي وحفيده فيصل الثاني، كما سيتم تناول مؤسسة رئاسة الوزراء من خلال شخصيتي عبدالمحسن السعدون ونوري السعيد، فضلاً عن بحث المؤسسة العسكرية التي يمثلها الجيش العراقي والقبائل كذلك دراسة الأحزاب السياسية التي ظهرت في هذا العهد، فضلاً عن دراسة مشكلة ولاية الموصل والقضية الاثورية ويهود العراق وأخيراً مجلس الأعمار.
المؤسسة الملكية
الملك فيصل ولد بالطائف 1885 وانتخب عضواً في مجلس المبعوثان في
استانبول 1909 وقاد عثمانية إلى عسير 1913. اشترك في قيادة الثورة العربية
1916 وتولى عرش سوريا 1918-1920 إلى أن
طرده الفرنسيون بعد احتلالها. وتولى عرش العراق في 23/8/1921 وتوج في ساحة البرج
في بغداد الساعة السادسة صباحاً وتضمن خطاب العرش الدعوة إلى بناء العراق من خلال
مشاركة الجميع وانه سوف تجري انتخابات للمجلس التأسيسي الذي سيضع الدستور ويصادق
على المعاهدة التي ستعقد مع بريطانيا وتنظم العلاقة معها ، كما أكد على أهمية
العلاقة مع بريطانيا.
فيصل الاول |
أن أهم المهام التي واجهها الملك فيصل هي:
-
تخليص العراق من الانتداب البريطاني وإقناع الانكليز بالتخلي عن الحكم
وتسليمه إلى الوطنيين تدريجياً.
-
الحفاظ على ولاية الموصل التي تطالب بها تركيا.
-
إنشاء حكومة عصرية بكامل تشكيلاتها وإدارتها ووضع دستور جديد.
-
توطيد الوحدة الوطنية وإخراج البلاد من الجهل والمرض والتعصب.
ولا بد من الإشارة
إلى أن مشكلة الموصل التي لم تحسم إلا في نهاية 1925 كانت من أهم التحديات التي
واجهت الملك فيصل والحركة الوطنية العراقية فقد كانت فكرة فيصل أن الموصل هي رأس
العراق ولا يمكن حكم العراق وتطويره من دون الموصل فضلاً عن أهميتها في تحقيق
التوازن الطائفي. علماً أن الانكليز احتلوا الموصل في 8 تشرين الثاني 1918 واخلى
القائد التركي علي إحسان باشا المدينة استناداً إلى المادتين 16،7 من هدنة مودروس أي
أنهم احتلوها أثناء الهدنة وليس عبر الحرب . فقد كان أكثر ولاية الموصل غير محتل
عند توقيع الهدنة بالرغم من أن الجيوش البريطانية كانت قد احتلت كركوك واربيل كما
تم السيطرة على السليمانية عبر الشيخ محمود البرزنجي الذي أعلن ولائه لهم ، ولما
عرضت مشكلة الموصل على عصبة الأمم احتج الأتراك بان احتلال ولاية الموصل كان عملاً
غير قانوني ونقضاً للهدنة. كما لا بد من الإشارة إلى أن اتفاقية سايكس-بيكو 1916
سبق وان أعطت الموصل لفرنسا إلا أن بريطانيا ضغطت على فرنسا فتنازلت عنها في كانون
الأول 1918.
عملت تركيا بلا
كلل سيما بعد أن طرد كمال أتاتورك القوات الأجنبية من تركيا واضطرت الدول الحليفة
للاعتراف به حاكماً على تركيا فضلاً عن تحالفه مع السوفيت على حل قضية ولاية
الموصل عبر مفاوضات مباشرة بين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا وعصمت اينونو
وزير خارجية تركيا منذ عام 1922 في لوزان من غير التوصل إلى اتفاق . وقد استغلت
بريطانيا دعمها الحاسم لضم الموصل إلى العراق طمعاً في نفطها إلى أن تمارس ضغوطاً
كبيرة ومؤثرة على الحكومة العراقية والملك وتساومهما على موافقة المجلس التأسيسي
العراقي على معاهدة 1924.
وعندما وصلت
المفاوضات بين تركيا وبريطانيا إلى طريق مسدود شكلت عصبة الأمم لجنة ثلاثية لدراسة
وضع الولاية على أن تقدم مقترحاتها للحل إلى العصبة وكانت مكونة من بول تلكي وهو
جغرافي مشهور ورئيس وزراء سابق في المجر ، وفرسن وزير السويد المفوض في بخارست
والكولونيل المتقاعد بولس وهو بلجيكي وكانت اللجنة برئاسة تلكي . وقد وصلت اللجنة إلى
بغداد في 16/1/1925 ودرست العلاقات
الاقتصادية بين الموصل وبغداد وكان معهم المندوب التركي جواد باشا ثم وصلت اللجنة إلى
مدينة الموصل في 27/1/1925 وقد تمكن أعضاء اللجنة وهم متنكرون أن يكونوا فكرة عامة
عن أراء الناس وزاروا بعض الأشخاص من ذوي الخبرة والمعرفة في مدينة الموصل لتكوين
فكرة عامة عن الموصل ، كما زارت اللجنة كركوك واربيل كما زارت أقضية زاخو
والعمادية ودهوك ، وقد اتفقت اللجنة على ضرورة إجراء استفتاء وهو ما كانت تركيا
تلح عليه، إلا أن التجارب التمهيدية كانت فاشلة واقتنعت اللجنة بصعوبة إجرائها
سيما في ولاية كبيرة تضم فضلاً عن أقضية الموصل والسليمانية وكركوك واربيل ورانيه
وراوندوز وكوي سنجق وكفري أي منطقة شهرزور .
ومن الجدير
بالذكر إن عدد سكان مدينة الموصل عند وصول اللجنة كان 100 ألف نسمة. وقد قدمت
اللجنة تقريرها إلى مجلس عصبة الأمم في 16/7/1925 واقترحت اتخاذ خط بروكسل وهو خط
الحدود آنذاك بين العراق وتركيا بعد وقف الإعمال الحربية كخط حدود دائم واشترطت
اللجنة أن تعقد معاهدة جديدة بين العراق وبريطانيا تتضمن بقاء الانتداب لمدة (25)
سنة كما اشترطت تقديم ضمانات للأكراد تتضمن حقوقهم المشروعة ضمن العراق.
إن موقف تركيا
من هذه التوصيات كان المماطلة ولم توافق على قرار العصبة وعرضت حلاً جديداً يقوم
على احتفاظها بمدينة الموصل مقابل تنازلها عن بقية الولاية ، ثم اضطرت أخيرا إلى
الموافقة بعد تهديدات وضغوطات بريطانية بينها عسكرية مقابل تعديل بسيط على خط
الحدود لمصلحة تركيا وحصولها على 10% من نفط الموصل لمدة (25) سنة وتنازلت عن
الموصل بشكل نهائي في 5/6/1926.
يعود إلى الملك
فيصل الفضل في بناء الأركان الأساسية للدولة العراقية عبر بناء الجيش العراقي
والذي سيتم الحديث عنه لاحقاً فضلاً عن كونه المهندس الإداري للعراق فضلاً عن
السماح للحياة الحزبية بالظهور والاعتراف بالمعارضة إلى درجة ما والاستفادة منها
في صراعه مع الانكليز . إضافة إلى محاولته الجادة إقامة علاقات حسن الجوار مع بعض
الدول المجاورة للعراق مثل إيران وتركيا والسعودية فبعد حل قضية الموصل تم تبادل
التمثيل الدبلوماسي مع تركيا كما تم التبادل الدبلوماسي مع إيران 1931 وكان
السياسي العراقي توفيق السويدي أول وزير مفوض في مفوضية العراق في طهران كما زار
تركيا 1931زيارة ناجحة ولاقى ترحيباً حاراً وزار طهران 1931 عن طريق البر وكانت
زيارة ناجحة وكان موضوع شط العرب وإنشاء ميناء عبادان والتعاون في ميدان النفط
وقضية الأكراد وعدم مساعدة أي من الطرفين للمتمردين على الحدود من أهم المواضيع
التي طرحت كما التقى سلطان نجد والحجاز عبدالعزيز آل السعود على ظهر المدرعة
البريطانية (لوبل) في الخليج العربي, واظهرا رغبة في التعاون و نسيان خلافات
الماضي. وكان العراق حريصاً على علاقات جيدة وسلمية مع عبدالعزيز رغم المرارة التي
كان يشعر بها فيصل بسبب استيلاء عبدالعزيز على الحجاز وطرد أخيه الملك علي والذي
كان مقيماً في بغداد . ولا ننسى الهجمات الدموية والمدمرة التي كان يشنها الإخوان
النجديين على لواءي الدليم (الأنبار) والمنتفك(الناصرية) سيما هجوم 1922 على لواء
المنتفك والذي خلف 692 قتيل وهدم 781 بيت ونهب 123 ألف رأس من الغنم وآلاف الجمال
فضلاً عن ممتلكات أخرى كما تم في عهد الملك فيصل نجاح العراق في الانضمام إلى عصبة
الأمم في جنيف في تشرين الأول 1932 بعد عقد المعاهدة العراقية البريطانية 1930 حيث
أيدت بريطانيا ودعمت انضمام العراق إلى العصبة كدولة مستقلة .
مشكلة الاثورين
جابه الملك فيصل في أيامه الأخيرة مشكلة الاثورين وهم
نساطرة مسيحيون كانوا يسكنون منطقة تخوما في قضاء جولامرك في (ولاية وان) وكانوا
يتمتعون بالحكم الذاتي برئاسة الزعيم الديني المار شمعون ضمن ما كان يسمى نظام
الملة في الدولة العثمانية وقد حرضهم الروس خلال الحرب العالمية الأولى 1914 على
الثورة على العثمانيين كحال الأرمن وقد تصدت لهم السلطات العثمانية فقمعت ثورتهم
فقتل من قتل ونزح من تبقى منهم إلى الأراضي الإيرانية واتصلوا بالنساطرة الاثورين
فيها وقد اتصل بهم الانكليز وسلحوهم وحرضوهم على قتال الترك من جديد ولكن الأتراك
هاجموا منطقة أورمية في إيران ومارسوا القسوة المفرطة ضدهم فنقلهم الانكليز إلى
منطقة ديالى وكان عددهم (125) الفاً وعملوا على دعمهم وتشكيل قوة عسكرية حليفة لهم
سميت (الليفي) مكونه من ألفي رجل والتي استخدموها في قمع الثورة قي شمال العراق
1919 وفي ثورة العشرين فضلاً عن الحفاظ على الأمن ، وعندما انتهت الحرب رفض الأتراك
إعادتهم إلى مناطقهم والتي أصبحت من نصيب الكرد في المنطقة .
حاول الانكليز حل مشكلتهم على حساب الكرد في العراق فقد
اقترح الكولونيل ليجمن والحاكم العسكري في العراق ولسن أقامه كيان لهم في دهوك
وترحيل الأكراد بحجة أن هؤلاء ثاروا على الانكليز ثورتهم المشهورة 1919، إلا أن الحكومة
البريطانية رفضت هذه الخطة مما دفع الزعيم العسكري للاثورين أغا بطرس إلى التحرك لإقامة
وطن بالقوة على الحدود العراقية التركية وأيد الانكليز الفكرة . واصطدم مع أكراد
قضاء عقرة البرزانيين والزيباريين والذين
فتكوا بهم ففشلت الخطة.
ومما زاد في توتر العلاقات بين العراقيين والاثورين هو
استفزازهم للمواطنين أثناء تبضعهم من الأسواق وارتكابهم اخطاءاً قاتلة تمثلت في
مجزرة ارتكبوها في سوق العتمة في الموصل تمخض عنها مقتل (18) مواطن وجرح الكثيرين
ولولا تدخل القوات البريطانية لكان الضحايا أكثر كما ارتكبوا مجزرة أخرى في كركوك
كان ضحيتها 200 قتيل وجريح . لكل هذه الحوادث مارست عصبة الأمم ضغطاً على العراق
من اجل إنشاء وطن لهم في العراق تحت السيادة العراقية ولكنها لم تنجح وأصدرت
العصبة قراراً في 1930 أكدت فيه ضمان سلامة هؤلاء وإسكانهم من قبل الحكومة
العراقية من دون منحهم الحكم الذاتي ودعتهم إلى الإخلاص للحكومة العراقية وإعلان
الولاء لها.
ويلاحظ إن عمة المار شمعون (سرمة) لعبت دوراً سلبياً في
الحيلولة دون الوصول إلى اتفاق متوازن لحل مشكلتهم عبر إسكانهم في إنحاء مختلفة من
العراق سيما في الشمال عبر تحكمها في ابن أخيها الشاب القليل التجربة وكانت خاتمة
هذه القضية قيام الاثورين بتمرد كبير عام 1933 إثناء وجود الملك فيصل في سويسرا
لغرض العلاج من مرض تصلب الشرايين وتولى الأمير غازي النيابة عنه وقد انقسم
الاثورين تجاه هذا التمرد إلى قسمين متطرفين انظموا إلى المار شمعون ومعتدلين دعموا
الحكومة العراقية التي استضافتهم وتحاول إسكانهم بشكل دائم وقد اتصل المتطرفون
بفرنسا التي كانت تسيطر على سورية والذين وعدوهم بالمساعدة والدعم واعدوا العدة
للهجرة إلى سورية تمهيداً لقتال الحكومة العراقية من جديد وقد حاولت الحكومة
العراقية التفاهم مع الفرنسيين لإيقاف دعمها إلا أنها لم تتجاوب ونتيجة لهذه
التوترات أرسلت قوات عراقية إلى منطقة سميل قرب الحدود السورية للتصدي لأي عمل
عدائي يقوم به هؤلاء وعندما عبروا نهر دجلة ارتكب الاثورين إعمالا وحشية بحق وحدة
عسكرية استطاعوا السيطرة على مواقعها ومثلوا بجثث الجنود والضباط مما دفع الجيش إلى
استخدام القوة المفرطة والقيام بإعمال غير مشروعة إثناء سحق التمرد وامتدت
التجاوزات إلى المدنيين الاثوريين الذين كانوا يسكنون سميل والذين انضموا إلى
المقاتلين حيث انضم أكراد سميل إلى الجيش إثناء التصدي للتمرد . وقد أشارت الوثائق
فيما بعد إلى إن الانكليز دعموا التمرد ولم يكن يتوقعوا أن يحقق الجيش العراقي
الذي لم يكن قد اكتمل بناءه النصر وهكذا انتهت الحركة عسكرياً وتم إسكان الاثورين
في العراق في أراضي خصصت لهم من الحكومة العراقية وغادر المار شمعون إلى المنفى.
وصيه
الملك فيصل
ترك الملك فيصل
بقايا مذكرات حيث اختفى معضمها عند وفاته في سويسرا ومما جاء في وصيته لحكام
العراق من بعده والتي لا يزال الكثير منها صالحاً لحد الآن للعمل به.
العلاقات
الخارجية
أكد على أهمية
استمرار العلاقات الطيبة مع تركيا وإيران وانه بدون علاقات جيدة تقوم على المصالح المتبادلة لن
يشهد العراق الاستقرار.
الداخل العراقي
- اشتكى الملك من أن العراق ينقصه الوحدة الفكرية والدينية
وان حكام العراق يجب أن يجمعوا بين الحكمة والقوة.
- إن هناك شباب يؤمنون بالتجدد إلى جانب قوى متعصبة مع
الانقسام السني الشيعي الكردي فضلاً عن الأقليات غير المسلمة ومشكلة العشائر
والشيوخ (فالسواد الأعظم الجاهل المستعد لقبول كل فكرة سيئة بدون مناقشة أو محاكمة).
- دعا إلى وجود جيش قوي فهناك لدى القبائل 100 ألف بندقية
مقابل 15 ألف لدى الجيش في عهده وضرورة إن يكون الجيش قادر على التصدي لحركتين في أن
واحد.
- العراق مملكة تحكمها حكومة سنية على أنقاض الحكم
العثماني يحكم قسماً كردياً لديه زعماء لديهم مطامع شخصية مع أكثرية شيعية متأثرة
بالاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في
الحكم.
- الأقليات تتعرض للتحريض الأجنبي سواءاً الاثوريين
والكلدانيين واليزيدية.
- دعا إلى طمأنة الشيعة عبر توحيد الصيام والإفطار وتعمير
العتبات المقدسة والعمل على إيجاد أوقاف خاصة للشيعة لتمويل رجال الدين والعمل على
احترام الشعائر الدينية والحيلولة دون تفشي الموبقات وسد دور الدعارة.
- العمل على حل مشكلة الأراضي رغم أن ذلك يمس مصالح الشيوخ
ونفوذهم ألا انه مهم جداً بالنسبة للفلاحين وعند القيام بذلك يجب أن لا يحس الشيوخ
والأغوات أنهم هدف للدولة.
- العمل على فتح المدارس في كل مناطق العراق بدون تفرقة
طائفية.
- العمل على إعطاء صلاحيات للألوية أشبه بحال الولايات في
الدولة العثمانية.
- فصل السلطة التشريعية عن التنفيذية.
- عدم فتح الباب على مصراعيه للأحزاب والصحف لتشويه
الحقائق وتضليل الشعب وإعطاء المجال للنقد النزيه والمعقول.
- العمل على تحسين أداء الموظفين وان الموظف قبل شيء خادم
للحكومة وليس للأحزاب.
- الزراعة في العراق تعاني من بعد المنتجات عن الأسواق
الخارجية مما افشل الزراعة ودعا إلى إتباع سياسة الحماية للمنتج الوطني أسوة بالأتراك
والإيرانيين.
- مراجعة إنشاء المشاريع الصناعية ودراسة مدى جدواها.
- مكافحة الفساد في الجهاز الإداري.
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع