القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الأهوار  والمستنقعات " دراسة تاريخية"

مقدمة

يقصد بالهور

مساحة من المستنقعات الدائمية والموسمية والمياه الفائضة وهي تأخذ مياهها من دجلة والفرات والكرخة, وتبلغ مساحة اهوار العراق مابين سبعة الاف الى خمسة عشر الف كم2 ويبلغ عمقها مابين اربعة الى ثمانية اقدام.

جانب من حياة الهور


وتمتد الأهوار  من العمارة على دجلة ومن سوق الشيوخ على الفرات الى مدينة القرنة وتقسم الى:

الأهوار الشرقية مابين دجلة والحدود الايرانية واهمها الحويزة والسنية والسعودية والصحين وام البرم وتبلغ مساحة هور الحويزة مابين 2500-3000كم2 وتتقلص خلال موسم الصيف الى نصف هذه المساحة.

الأهوار الوسطى تقع بين عكركوف وعويريج بين دجلة والفرات.

الأهوار الجنوبية جنوب نهر الفرات ويمثلها هور الحمار وابن نجم وابي حجار وتبلغ مساحة هور الحمار مابين 1500-5000كم2 ويعود التفاوت في التقدير الى اختلاف الفصول مابين الصيف والشتاء ويأخذ مياهه من دجلة والفرات ويمكن القول ان مساحة اهوار العراق تقترب من 20000 كم2 وهي أوسع مناطق الأهوار  في العالم.

ويلاحظ ان التوراة في سفر التكوين أشارت إلى ثلاثة أهوار هي الأهوار  البابلية والأهوار  الكلدانية وسوزيانا (الواقعة على مجرى دجلة الحديث بأتجاه العمارة والقرنة), ويقصد بالأهوار البابلية تلك التي تقع على نهر الفرات في جنوب النجف والكوفة بينما الكلدانية شمال أور الى البصرة ويمثلها هور الحمار.

ان اهم المحافظات التي تضم 80% من الأهوار  هي البصرة وميسان وذي قار ومن الجدير ذكره ان الباحثين الاجانب هم أول من درس الأهوار  لأغراض علمية واستخبارية واجتماعية واقتصادية لمعرفة الثروات التي فيها, فقد زارها فديلافال في القرن السابع عشر كما زارها جون تايلور نائب القنصل البريطاني في البصرة عام 1853.

النظريات العلمية لتكوين الاهوار في العراق والبطائح


 نظريات تكون الأهوار

النظرية الاولى: هي نظرية ليز وفالكون ورايت التي تشير إلى إن سبب تكون الأهوار هو تعرض العراق لحركة التوائية في الزمن الجيولوجي الثالث ادى الى تكوين اقسام السطح من جبال وهضاب وان الوسط والجنوب حدث فيه تقعر فتوغلت فيه مياه الخليج الى تكريت على دجلة وهيت على الفرات ونتيجة للترسبات اخذ الخليج بالتراجع وحدث هذا قبل الالف الخامس ق.م.

النظرية الثانية: نظرية ستون لويد ودي موركان والتي تشير الى ان رأس الخليج كان الى سنة 696 ق.م. جنوب غربي الشوش الايرانية وان دجلة (ايديجلات) والفرات (بورانون)كانا  يصبان فيه وانه في سنة 325 ق.م. شكل الطمى الذي حمله نهر الكارون سلسلة من الجزر امتدت من الأهوار  عبر الخليج وأدت الى عزل بحيرة كان يصب فيها نهري دجلة والفرات عن اجزاء الخليج الاخرى وان اهوار العراق هي بقايا تلك البحيرة الكبيرة ومن ادلة هذه النظرية، اكتشاف أثار حضارة قديمة جنوب اور بعضها يعود الى العصر البابلي والكيشي وان الأهوار  كانت مأهولة منذ الاف الخامس ق.م.

النظرية الثالثة: ترجح تكّون الأهوار من خلال حدوث فيضانات عنيفة في نهاية العصرالساساني مما ادى الى انهيار السدود فتكونت الأهوار  والمستنقعات وان هور الحمار كان ارضاً زراعية عام 629م فتحول الى مستنقعات. ويمكن القول ان الاراء الثلاثة كل منها لها ادلتها ولاتتعارض مع بعضها، أي أن الأهوار لم تتكون نتيجة سبب واحد وإنما  نتيجة أسباب ثلاثة على الارض.

اما على صعيد المناخ فأن الشتاء فيه بارد شديد البرودة والصيف حار ورطب وتعلو سماؤه سحب من البق والذباب والحياة فيها صعبة ويمتاز الخريف بأن مناخه مقبول ويمكن التجوال في الأهوار  رغم انخفاض مناسيب المياه.


الحيوانات

تضم الأهوار عالماً جميلاً من الحيوانات وعلى رأسها الجاموس الذي كان موجود منذ اقدم العصور ودُجن في منتصف الالف الرابع قبل الميلاد وكان الناس يخافون منها اكثر من الاسود والثيران الوحشية ووجدنا في بعض النقوش السومرية مصارعة الابطال الاسطوريين مع الجاموس الوحشي مثل نقش جلجامش ، كما ظهر في احدى النقوش جلجامش يسقي الجاموس من اماكن ينبجس منها مجريان لدجلة والفرات الا ان هذا الحيوان انقرض بصفته حيواناً وحشياً بعد منتصف الالف الثالث قبل الميلاد وهناك رأي ان هذا الجاموس اصله من الشرق الاقصى وان لايفسر كيف وصل الى العراق وهو يختلف عن الجاموس الهندي الاصغر حجماً والذي جلبه السومريون حسب احد الاراء من الهند في الالف الثالث ق.م. وهناك رأي يدعي ان الجاموس العراقي الحالي جلبه الحجاج الثقفي من الهند.

ويحتل الجاموس أهمية كبيرة في حياة سكان الأهوار  فهو رمز الثروة والوجاهة والجاموس هو مهر النساء وكلما كانت العروس من عائلة كبيرة كلما كان مهرها يتكون من اعداد كبيرة من الجاموس قد تصل الى العشرين واكثر، وهم لا يذبحون الجاموس الا اذا مرض او اوشك على الموت . ولابد للاشارة الى ان تربية الجاموس كانت غير منتشرة في القبائل العربية الرعوية في العراق سيما في الجنوب بل كان هناك استنكافاً منها وهو عكس نظرة هذه القبائل في الشمال حيث يربى الجاموس من قبائل قوية ولاتشكل تربيتها مصدراً للخجل او الدونية الاجتماعية.

وربما تأتي في الأهمية بعد الجاموس الأسماك التي كانت ولاتزال تشكل مصدراً مهماً للعيش لسكان الأهوار  وهناك أنواع عديدة وجيدة منه مثل البُني والشبوط والحمري والجري، وتذخر الرسوم السومرية سواءأ على الاختام او على النقوش الدينية برسوم الأسماك، كما يوجد الى جانب الاسماك الخنزير البري والكلاب ودجاج الماء (دجاج الماي: وهي طيور صغيرة الحجم جبهتها ومنقارها بيضاويين ولاتستطيع الطيران عالياً لمسافات بعيدة تظهر في الخريف وتختفي في نيسان ولا تتكاثر في الأهوار  وتأتي من البحر الاسود وبحر قزوين وهي بحار باردة الى المناطق الدافئة)، وبجع الماي والخضيري والإوز(ومن الجدير ذكره أن طيور الأهوار  بعضها مهاجرة مثل البط والاخضير اما الطيور غير المهاجرة فهي اللقلق الاحمر والبغيلي والوردة والاهليجي) فضلاً عن القنادس كما كان هناك أسود الى ماقبل الحرب العالمية الأولى.

كما يلفت الانتباه أن التلال المنتشرة في الأهوار  والتي تسمى (أيشان) هي كلمة سومرية  تعني (تل) كما كان يطلق عليها (عدون) كما أن الجزر في الأهوار تسمى (جبايش) جمعها الجباشات هي نفسها السومرية وهي تعمل من القصب والطين والماء وتغطى بروث الجاموس وقد جاء في نَص سومري (ثم وضع مردوخ القصب على وجه الماء ونثر التراب على جانب ذلك القصب).

 

سكان الأهوار

  كان سكان الأهوار والتي كانت تسمى لدى الجغرافيين المسلمين بالبطائح يطلق عليهم المعدان وهم من أصول عربية ويعتقد البعض أن أصول بعضهم يعود الى السكان الاصليين السومريين والبابليين اختلطوا بالهجرات الحديثة، كما تعود اصول بعضهم الى الصابئة وهم من سكان العراق الأصليين الذين يتكلمون الآرامية.

 





النباتات

إن الحياة النباتية تضم حوالي 32 نوعاً من النباتات التي تتفاوت في اهميتها ويأتي على رأس القائمة القصب الذي يتواجد بكثرة في اهوار شرق وغرب دجلة بينما يفتقر اليه هور الحمار، ويرتفع القصب الى عشرين قدماً ويستخدم علفاً للجاموس وتستخدم سيقانه الغليضة في صناعة البواري التي تستخدم لتسقيف البيوت ويستخدمون سيقانه اليابسة للوقود والاضاءة والقصب يجف بعد اربعة اعوام، أما البردي فيلي القصب من حيث الاهمية وهو يعلو (8) اقدام ويستخدم علفاً اذا انعدم القصب ويشيد أهل الأهوار  أكثر مساكنهم على اكوام هائلة من البردي (الجباشة) جمعها جبايش وهناك السجل والكولان والجرّيح.

ومن الطريف الاشارة الى ان معنى بلاد سومر هو (ارض سيد القصب) كما يسمى القصب بسيد نبات الهور وفي ملحمة (الانوما ايليش) ورد (لا كوخ قصبي كسته الحصران, لا ارض ظهرت بين الأهوار , فقط ابسو ( المياه العذبة) وتيامات(المياه المالحة) وميمو (السحب) وفي قصة الخليقة يرد ذكر القصب في بلاد سومر والمعروفة ( قصة اريدو) حيث خلق مردوخ البشر من طين ووضعه في قصبة, وفي نص سومري يدعو الكاهن الهة الخصب ان تتفضل على البلاد بالخيرات والنعم ( وفي الأهوار عسى أن تتكاثر الاسماك وتزقزق الطيور وفي اجمة القصب عسى ان ينمو القصب القديم والقصب الجديد عالياً). وورد ذكر كوخ القصب في ملحمة جلجامش. كما ورد ذكر القصب في حلم دموزي قبل مأساته.وعلى الصعيد الديني كان رمز الهة الخصب حزمتين من القصب برأسين معقوفين.

كما إن من الجدير ذكره انه ظهر في بعض الاختام الاسطوانية السومرية رسم يشبه مضيف الأهوار  حالياً. والمضيف عبارة عن كوخ قصبي بالغ السعة يشاد من اعمدة ضخمة من قصب قوي (شباب) وحصر قصبية كبيرة (بواري) ومن جدارين جانبيين يقامان من قصب وصرايف . كما عثر على نموذج يشبه الفضة في اور يشبه المضيف الحالي, فضلاً عن استخدامهم ايضاً للمردي( المجذاف الطويل الرفيع)، كما استخدم السومريين القصب في بناء الزقورات مع اللبن والطين كما استخدموا ايضاً في التسليخ حبالاً من سيقان القصب.

وفي الختام فان الأهوار تزرع حافاتها في الوقت الحاضر الشلب والذرة والدخن والرقي والبطيخ وقصب السكر والخضراوات والنخيل.

 



مستقبل الحياة في الأهوار:

رغم أهمية الأهوار  إلا أن مجلس الاعمار قدم دراسة لتجفيف هور الحمار وتحويله الى اراضي زراعية الا انه تم صرف النظر نتيجة اهمية الهور لسكانه, وان اخطر ما تعرضت له الأهوار  هو قيان النظام السابق بتجفيفها عبر قطع تموينها من نهري دجلة والفرات لاغراض امنية اكثر من اي شئ اخر وقد لاقت هذه الخطوة احتجاجات عالمية من قبل منظمات حماية البيئة دون جدوى وكان الامير تشارلز ولي عهد بريطانيا من اشد الشخصيات العالمية التي دعت إلى الحفاظ على الأهوار وحمايتها مع عالمها الحيواني والنباتي وما نجاح العراق اخيراً في 18/7/2016 في ادخال بعض اهوار العراق ضمن قائمة التراث العالمي وهي الحويزة والأهوار  الوسطى في محافظتي ذي قار وميسان والحمار الشرقي في البصرة والحمار الغربي في ذي قار مع مدن سومرية مثل اريدو واور واوروك الا بداية مهمة وخطوة في الاتجاه الصحيح على صعيد الحفاظ على هذه الأهوار  وتعريف العالم بها تمهيداً لتنفيذ مشاريع حقيقية تساهم في جلب السياح من انحاء العالم اليها لتنويع مصادر الدخل لسكان هذه الأهوار  وتشجيعهم على الاستمرار في الإقامة فيها.

إن منطقة الأهوار تضم أهم كنوز العراق وهو الذهب الاسود حيث يوجد النفط في الأهوار  ومحيطاتها وان كانت عمليات الاستخراج ستؤدي شئنا ام ابينا الى تلويث البيئة وتدمير الحياة النباتية والحيوانية وتصل تأثيراتها إلى سكان هذه الأهوار  وهذا يتطلب من العراق الزام الشركات العاملة بالعمل على تقليل التلوث ومعالجة الاضرار بقدر المستطاع من اجل تشجيع السياح على القدوم الى هذه المناطق.

  فضلاً عن تعاون المحافظات التي توجد فيها الأهوار  مع السلطات المركزية والجهات المختصة في ايجاد البنية التحتية المهمة من طرق وموانئ نهرية ومراسي, فضلاً عن الزوارق الحديثة والمكيفة, فضلاً عن الفنادق ذات المواصفات الجيدة, واعداد برامج خاصة للصيد, سواءً للطيور او الاسماك او الخنازير البرية او التجوال في ممرات الأهوار  الجميلة للاطلاع على الفلكلور الراقي الثر في الأهوار , حيث يوجد الكثير من المغنين, فضلاً عن الرقصات الفلكلورية الجميلة, والاهم من ذلك نشر ثقافة سياحية بين السكان تقوم على احترام السياح وحمايتهم واعتبار السياحة مهنة مهمة ستعمل على تحسين الواقع الاقتصادي للسكان.

 

قائمة المصادر

1-  د. شاكر مصطفى سليم ، الجبايش ، مطبعة الرابطة ، بغداد، 1956.

2-  عامر حسك ، اهوار جنوب العراق، مطبعة المعارف بغداد 1979.

3-  ابراهيم الشريف: الموقع الجغرافي للعراق واثره في تاريخه العام حتى الفتح الاسلامي, ج1 شفيق مقداد.

4-  عبدالحسين جواد السوبح: الاقليم الوظيفي لمدينة القرنة دراسة في جغرافية المدن واقاليمها, مطبعة الارث بغداد, 1977.

5-  د. حسن الخياط: جغرافية اهوار ومستنقعات جنوبي البلاد, المنظمة العربية للتربية معهد البحوث والدراسات العربية 1975.

6-  د. آزاد محمد امين وصباح محمود محمد ونعمان دهش, مقدمة في الجغرافية السياحية مع دراسة تطبيقية في القطر العراقي د.م.د.ن. 1980

7-  جبار عبدالله الجويبراوي: سلاماً ايتها الأهوار , لمحات تاريخية وجغرافية د. ن. د، ت.

 

تعليقات

التنقل السريع