من تراث أهلنا أيام بغداد القديمة
كعك السيد
أشهر من صنع
الكعك والجرك والبقصم في العراق، وكعك السيد من أشهر مسميات محلات بغداد في عشرينيات
القرن الفائت، المسمى جاء نسبة إلى صاحبه
السيد حسين بن علي بن قدوري بن حبيب بن مصطفى السامرائي الحسيني الهاشمي المنحدر
من الهواشم، وترعرع في إحد أشهر العوائل البغدادية العريقة في بغداد، ولد عام 1859،
ودرس العربية والفارسية والكردية والتركية.
بداية المسيرة
عام 1906 ترك
مهنة البزازة أي بيع الأقمشة، فتعلم مهنة عمل الكعك والجرك من من الإيرانيين أصحاب
الخبرة في عمل الكعك، وبعد أن أتقان العمل بشكل جيد، عمل السيد حسين على تشييد أول
فرن في بغداد، في منطقة تعرف بالجنابات أو ما متعارف عليه برأس القرية في شارع
الرشيد، وبعد ذلك غير موقع الفرن إلى موقع اخر قرب ساحة الرصافي حالياً، وفي
الأخير انتقل الفرن إلى الموقع الثالث بداية العشرينيات، وهو المحل الحالي في
منطقة الحيدرخانة قرب الجامع، بناء المحل بسيط ومسقف بالخشب والحصران والقصب، بقي المحل
على حاله حتى أعيد بناؤه عام 1937، بالشكل الحديث من الطابوق والشيلمان وعلى طابقين
أرضي كمحل للكعك، والطابق الثاني فندق أم الربيعين.
حرفة صناعة الكعك
عُدة العمل والتحضير
آنذاك بسيطة وبدائية، فالطحين يجلب كحنطة تنظف وتغسل وتجفف، ثم تطحن باالرحاة، أما
العجين فيعجن بالمعجن المصنوع من الخشب، والتخمير بوضع العجين بجنب الفرن وبعد أن يختمر
ينقل إلى طشت نحاسي ويضاف للعجين الدهن الحر ((سمن حيواني)) والسكر وكاربونات
الصوديوم، أما الفرن فكان يشغل بالحطب أو الطرفة وبعد أن يكمل الإنتاج يوضع في
السلال أو الكواشر المصنوعة من جريد النخل.
يقدم الكعك عادة
لدى البغداديين خاصة مع الشاي للعائلة والضيوف وفي الأفراح ومولد الرسول الأعظم، ومجالس
عزاء الحسينية، ويوزع في شهر رجب، ويضاف للجرك والبقصم خليط من الهيل والكبابة و
جوزة بوة و الكزبرة والحبة حلوة أما الفلفل الأسود فهو أحد أسرار الطعم الشهي في
المعجنات، وكان الكعك المنتج كبير الحجم
وربما بحجم الكف بحيث كان يشطر إلى نصفين ليسهل تناوله مع الشاي.
الأسلوب المتعارف عليه في بيع الكعك
يعبأ الكعك في أكياس
من الورق الاملح البني اللون، ويعد للبيع بالأوقية، ميزان الكعك لدى السيد معمول
من جريد النخيل والحبال، وعيارات الميزان من الحصى الكبير، حيثُ لا يزال يحتفظ السيد
بها لغاية الوقت الحاضر، ويكون وزن الحصاة الواحدة (7,5) كغم أي نصف (من) والمن هو
وحدة قياس تعادل (15) كيلو، تم الحصول عليها عند نقل الحصى لاكساء شارع الرشيد سنة
1924.
الديكور العام للمحل
المحل كبير الحجم،
الجام خانة صنعت من الخشب، والمعمل منفصل عن المعرض بينهما باب كحد فاصل، الكعك
يعرض سابقاً في دواليب خشبية، واكثر الأحيان يعمل السيد بيديه، أو يشرف على العاملين
يومياً، أو يجلس قرب محله، معتمراً عمامة خضراء مميزة الشكل لغايته وفاته، عن عمر
يناهز (106) عام، توفي السيد حسين في بغداد عام 1965، والتزم أولاده ((مزاحم ومحمد))
على الحفاظ على هذا الإرث العريق، والحفاظ على جودة الإنتاج، وبدأ الطلب يزداد ويختلف
حسب متغيرات المجتمع، وأصبحت الحلويات الشرقية المختلفة تنتج بشكل أساسي يومي بعدما
كانت تصنع بالطلب.
كعك السيد والذاكرة العراقية
كان عدد من شعراء بغداد، والمتفذلكين يشترون الكعك من السيد تاتيهم الرغبة لقراءة بعض الابيات داخل المحل
حيث أنشد الشاعر معروف الرصافي ما ظل محفوراً في الذاكرة قائلاً :
كلما فكرت
بالكعك اشتريت...
كعك السيد أحلى
ما اشتهيت...
طيب النكهة حلو
طعمه...
ولذا لم يخلُ
منه قط بيت...
وانتشر اسم
السيد في عموم العراق والدول المجاورة دول الخليج و مناطق شمال العراق لتميز الطعم
والانفراد بهذه الصنعة، ومن
زبائن كعك السيد العائلة الملكية في العراق ونوري باشا سعيد والزعيم عبد الكريم
قاسم، وعوائل عراقية عريقة مثل بيت البنية، وبيت الدفتري، والتتار، وبيت الشالجي،
والمتولي، وملا حمادي، والسهروردي، وعائلة بابان، والسلوم، والشروفي، والبزركان،
حيث أن بيوتهم وبيت السيد قائمة حتى اليوم إلا أنها مهجورة.
كما وانشد
الزهاوي يوماً فيه قائلاً:
يا لذتي تجددي
... بأكل كعك السيد
لنكهة
تعرفها...كل بيوت البلد
أما اهم من كتب
حول كعك السيد من الكتاب وهم كثر، ولعل أشهرهم كاتب قصة الرجع البعيد للروائي فؤاد
التكرلي..
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع