شخصيات في الذاكرة العراقية لقبت صاحبة الايادي البيضاء (سارة خاتون)
الأشهر بين سيدات المجتمع البغدادي أيام زمان أبان العهد الملكي أنها (سارة خاتون) (1889-1960) أسمها الحقيقي سارة إسكندريان، كانت من أغنى أغنياء بغداد والعراق لازالت هنالك منطقة في وسط بغداد الحبيبة يطلق عليه كمب سارة ترجمته (مخيم سارة)، تحمل أسمها والدها اوهانيس (هوفهانيس) ماركوس إسكندريان (1834-1899)، أحد وجوه الأرمن في بغداد وقد أوتيت من جمال الوجه ما لم تؤته فتاة، وتسبب هذا الجمال في وقوع الوالي العثماني ناظم باشا في حبها ورفضها لهذا الحب وتصديها له. ورث والدها ثروة طائلة جداً تتضمن أموالاً وبساتين وأراضي زراعية في بغداد والصويرة والحلة ومنطقة الشوملي فضلاً عن أراض واسعة ضمن حدود أمانة بغداد قسمت وبيعت لتغدو في ما بعد منطقة سكنية تعرف بحي الرياض (كمب سارة).
الوالي ناظم باشا
بدأت قصة سارة مع الوالي العثماني ناظم باشا، تلك القصة التي وصلت أخبارها إلى اسطنبول
وربما إلى أوروبا، ذات ليلة من شهر أغسطس 1910 عندما أقام ناظم باشا، حفلة راقصة
على ظهر باخرة نهرية من أجل إنشاء مستشفى الغرباء في بغداد. وكانت الحفلة مختلطة
حضرها القناصل وزوجاتهم وأفراد الجاليات الأجنبية وبعض العائلات المسيحية. وكانت
بغداد تشهد لأول مرة حفلة من هذا النوع، وقد حضرتها سارة مع أفراد عائلتها وهي
تلبس الإزار والخمار (البوشي) على الطريقة التي كانت مألوفة يومذاك، ولم يكد
الوالي يشاهدها حتى شغف بها حباً على الرغم من الفرق الكبير بين عمريهما، إذ كانت
سارة في السابعة عشرة من عمرها بينما هو كان في الخمسين. وكانت سارة قد ضاقت ذرعاً
بوصاية عمها على ثروتها الكبيرة، كونه يتصرف بأموالها لنفسه، فاعتبرتها فرصة ذهبية
لتستعين بالوالي على فسخ هذه الوصاية واستبدالها بوصاية مطران الكنيسة الأرمنية.
لذا طلبت من ناظم باشا موعداً لزيارته، فكان الجواب سريعاً. ويبدو أن هيبة الوالي
العجوز ونظراته قد أخرست سارة عن الكلام في هذا اللقاء، فتولت العمة صوفي شرح
الموضوع الذي أنصت إليه الوالي بشكل جاد. وبعد أيام من هذا اللقاء، أرسل الوالي في
طلب العم سيروب وولده تانييل (دانيال) وطلب منهما أن يقدما كشفاً بالحساب لإرث
سارة. فاستبشرت سارة خيراً، إلا أن الأمور سارت بمنحى آخر، إذ بادر ابن عمها
تانييل إلى زيارتها في إحدى الأمسيات وذكر لها، وهو مضطرب، أن ناظم باشا يريدها
زوجة له! ورفضت سارة (عرض) تانييل هذا لها وطردته، فشعر الوالي أن صبية بغدادية لا
تملك ما يملكه هو من سطوة واقتدار قد تمردت عليه من دون رهبة أو خوف، فأخذ بتضييق
الخناق عليها ونصب الشراك لها، فإذا بها تفلت من واحد حتى يكون الثاني في انتظارها
وهي صامدة ببطولة وشجاعة، وتبين للباشا أنها فتاة من طراز خاص ذات إرادة وشخصية
قوية.
مواقفها الانسانية
وفي عام 1917، أسست سارة خاتون مع عدد من النساء الأرمنيات في بغداد
الهيأة النسوية الأرمنية لإغاثة المهجرين الأرمن بفعل مجازر الإبادة الأرمنية في
الدولة العثمانية عام 1915، وقامت سارة خاتون وزوجها تانييل (قبل أن يتوفى في
باريس في عام 1922) بتوزيع الطعام والملبس على 20 ألفاً من المهجرين الأرمن في
العراق. وبزيادة عدد المهجرين الأرمن، أصبح حي "كمب
الكيلاني" لا يستوعبهم، فقامت في
العام 1937 بتوزيع أراضيها لقاء مبالغ مالية زهيدة.. وسمي هذا الحي الأرمني حي سارة
الزنگينة او كمب سارة.
النهاية المأساوية
بسبب كرمها اللامعقول وتأزم أوضاعها المادية أتتها الضربة الكبرى، إذ فقدت في
يوم واحد، وإثر عملية احتيال تعرضت لها، كل ما تملك حتى منزلها، وقام أناس
بمساعدتها بشكل ظاهر أو مستتر، وقد استمرت خادمتها المخلصة وسائقها الشخصي بخدمتها
بلا مقابل حتى وفاتها في 5 كانون الأول/ ديسمبر 1960.
سارة خاتون في صفحات الكتب
ووصف ليباريد آزاديان مؤلف كتاب (ذكريات دجلة) واقعة جمعته
بسارة خاتون في بغداد بعد أن فقدت ثروتها، فقال:
"في يوم صيفي لاهب وفي الساعة الثانية بعد الظهر، وعندما
كنت أقود سيارتي لمحت سارة خاتون وهي تنتظر في محطة لحافلات الباص، من دون أن تضع
قبعة تحمي رأسها من أشعة الشمس، وكان منظراً لا يصدق".
وفكرت في أنها يمكن أن تصاب بضربة شمس، وقد تجاوزتها، بيد أن
ضميري أخذ يؤنبني، وقررت العودة لمحطة الناص وقلت لها: سيدة سارة، تفضلوا، سأنقلكم
بسيارتي إلى حيث ترغبون.
فكان جوابها: شكراً ولدي، ستضايق نفسك.
فقلت لها: لا توجد أي مضايقة، وأرجو كثيراً أن لا ترفضوا عرضي
هذا.
ونزلت من السيارة وقدتها إليها، وكان العرق يتصبب منها بغزارة.
وفي الطريق قلت لها: سيدة سارة، إنكم لا تعرفونني. أنا وأمثالي
جئنا مهاجرين إلى بغداد وحظينا بدعمكم المعنوي والمادي، وأنني أشعر دائماً
بالعرفان بالجميل تجاه شخصكم، وأنكم بأعمالكم الخيرية صرتم فخراً لأرمن بغداد.
ولم يصدر منها أي تعليق على كلامي هذا، وعندما وصلنا، وفتحت لها
باب السيارة. وبعد أن نزلت من السيارة، رفعت رأسها وقالت لي: شكراً، أيها السيد.
وتحتل سارة خاتون المرتبة الأولى في قائمة المحسنين في تاريخ الأرمن في بغداد،
وكان الأعيان العرب ينظرون إليها على أنها أميرة ويجلونها كثيراً، كما حظيت
بالاحترام الخاص من قبل البلاط العراقي.
كنا
نسمع من كبار السن الذين عايشوا فترة العشرينيات من القرن الماضي، أن الفقر كان
يغلب على حياة أكثر سكان بغداد وكانت القوة الشرائية للطبقات الفقيرة ضعيفة جداً،
وكان من يعتبر نفسه ثرياً هو من يملك العقارات للإيجار أو يملك حماماً أو خاناً
ويأكل اللحم يوميا مع عائلته وهذا يسمى في إصطلاح أهل بغداد بالزنكين أو قارون أو
يقولون له (ابن دله) أي يشبهونه بالثري البغدادي عبد القادر دله، مالك خان دله
المشهور في شارع السموأل، وهناك أثرياء مشهورون في بغداد عاشوا حياة مرفهة حينذاك،
منهم سارة خاتون التي مازال أسمها حتى اليوم يطلق على حي سكني يسمى كمب سارة في
بغداد ..
يذكر
الكاتب التراثي المعروف عباس بغدادي في كتابه الموسوم (بغداد في العشرينيات) قائلاً
وتهجماً:
تعد
سارة "الزنكينة" من أثرياء بغداد وهي الفتاة نفسها التي أثارت القصة
المتعلقة بوالي بغداد المشهور ناظم باشا صاحب سدة ناظم باشا المعروفة في بغداد
الذي أحبها ولحقها إلى بومباي وعرض عليها الزواج ثم هربتها السلطات البريطانية إلى
فرنسا وبريطانيا وهي أرمنية بنت المرابي الشهير اوهانسيان، وكان هذا المرابي يقرض
شيوخ العشائر الذين يحكم عليهم بغرامات ثقيلة لا تدخل خزينة الدولة العثمانية بل
تدخل في خزينة الوالي الشخصية
.
وكان
اوهانسيان هو المشتري والبائع لاغنام الرؤساء ودوابهم وأراضيهم بالثمن البخس ثم
يعود ويبيعها لهم بعد ان يقبض الوالي ما يريد، هذا عدا عن قيامه برهن الأراضي
والبساتين وشرائها بعدئذ بأرخص الاثمان، فامتلك أخصب الأراضي وأجود البساتين في
محافظة واسط (لواء الكوت) وبغداد والحلة وغيرها من جهات العراق وأشهرها أراضي
مقاطعة الدبوني في العزيزية من لواء الكوت، وأراضي معسكر الرشيد والتي تسمى الآن
(كمب سارة) وقسم كبير من أراضي المسبح، وقد سجلت جميع هذة الأراضي باسمها حين
تطبيق قانون تسوية حقوق الأراضي بمساعدة رئيس اللجنة المطاع وهو المستر (ديجبرن)
ثم شيدت قصرها الفخم المنيف على أراضيها في المسبح
.
ولكنها
كانت متلافة مبذرة عديمة التبصر فاخذت تقترض بالربا والفائدة أكثر مما كان أبوها
يتقاضاه، فأكلت الفوائد أموالها وأملاكها وأضاف إلى ذلك تبذير ولدها المدلل (بيرسي)
الذي كان يلبس إساور ذهبية في يديه ورجليه وينشر أمواله جزافاً في ساحات سباق
الخيل وقد ترعرع ابنها هذا في انكلترا تحت رعاية (بيت لنج) لأن المستر كمبل مدير
الشركة ووريث لنج قد تزوج بنت سارة
.
وبدأت
الأم تبيع املاكها تباعا لتسديد الديون والفوائد وحجر على قصرها في المسبح وتأجل
بيعه في المزاد العلني عدة مرات بتأثير من نوري السعيد، وكانت تلجأ اليه كلما ضاقت
بها الحال، ولم تفلح كل هذه الجهود ورجع بيرسي إلى لندن وبيع قصرها وأراضيها بما
فيها مقاطعة الدبوني المشهورة، وقد اشتراها المرحوم عبد المنعم الخضيري بالاشتراك
مع جابر القاطع من أهالي الصويرة صاحب أسواق ميسلون في المنصور، وذلك بعد إلحاح
متزايد وضغط من الدائن التاجر كاظم مكية ثم هجرها كل الأصدقاء والمعارف، ولم يبق
لها ماتعتاش منه قبل أن يستطيع المستر كمبل إنقاذها ونقلها إلى لندن لتعيش في كنفه
وكنف ابنتها.
وفي عام 2006 أنتجت قناة الشرقية
مسلسلا بعنوان سارة خاتون بتألف من (30) حلقة، كتابة حامد المالكي وإخراج صلاح كرم،
وبطولة ريام الجزائري التي جسدت شخصية سارة .
- ليباريد آزاديان مؤلف (ذكريات دجلة).
- عباس بغدادي (بغداد في العشرينيات).
- .Page Iraqi
Wiki
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع