القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الزقورات.. ابراج بلاد الرافدين

الزقورة

اهتم العراقيون القدماء بتكريم آلهتهم فبنوا لها الأبراج العالية والتي كانت أولى أماكن العبادة التي عرفها الإنسان على كوكب الأرض، وتجلّت في الزقورات، وهي من فنون العمارة لدى سكان وادي الرافدين القدماء، بما يفوق قدرات علوم الزمن الذي عاشوا فيه، حتى قيل إن من أنشأ معابدهم المتلاصقة تحت الشمس أقوام قدموا من كواكب أخرى.

 


كتابات عُمرها آلاف سنة

يذكر عالم الآثار زكريا ستيشن في ترجمته لأحد الألواح السومرية أن الكتابات والرسومات التي عمرها ستة آلاف سنة والتي تركها السومريون، تتحدث عن أناس جاءوا من كوكب آخر يسمى "نيبيرو" وتصف أشخاصاً أكبر من الحجم العادي للبشر بنسبة ثلثين أو أكبر، عمالقة يصل طولهم إلى ثلاثة أمتار، وقد وجدت رسوم هؤلاء العمالقة على أسطوانة حجرية لختم سومري، محفوظ حالياً في متحف برلين، وهي مثيرة للحيرة والتعجب من عدة نواحٍ، حيث تصف لنا مجموعتنا الشمسية، الشمس في الوسط مع كواكب حولها القمر زائداً الكواكب التسعة المعروفة، مضافاً إليها الكوكب العاشر ويذكر العالم ستيشن هذا الكوكب "نيبيرو" أو مردوخ.

كما يؤكد العلم الحديث أن المعطيات السومرية عن الكواكب صحيحة تماماً، وأن هذه حقيقة لم يكتشفها العلم الأوروبي إلا قبل (300) سنة فقط، فهل فعلاً أن مَنْ بنيَ برج بابل وجنائنها المعلقة وزقوراتها كائنات فضائية هم الأنوناكي، كما تدعوهم النصوص السومرية قبل400الف سنة؟

 

سمة حضارية

يعتبر الباحثون وخبراء الآثار الزقورة أحد أبرز نتاج حضارة وادي الرافدين المعمارية، كما هي الأكثر إثارة للتساؤلات والبحث عن حقيقتها خلال دراسات وبحوث استغرقت عشرات السنين قام بها المختصون بالآثار، لغرض الوصول والكشف عن الغموض والأسرار التي تدور حول هذه المواقع التاريخية، كما يقول الأكاديمي والباحث بالآثار الدكتور محمد مؤيد مال الله، ويوضح أن "الزقورة تعرف لدى الباحثين بأنها واحدة من أهم مميزات العمارة في تاريخ العراق القديم وأكثرها شهرة، بل أصبحت السمة المميزة لتلك العمارة، رغم وجود ما يشابهها من صروح قديمة عند بعض الحضارات القديمة كالأهرامات في بلاد النيل، ومعابد حضارات أميركا اللاتينية، وغيرها.

ويشير إلى أن وظيفة الزقورة أعطتها الخاصية المميزة، وهي خاضعة كليا لمؤثرات محلية بعيدا عن أية تفسيرات تعيد بشكل أو بآخر أصول هذه المنشآت المعمارية إلى تأثيرات خارجية، وهذه المباني التي أقيمت على هذا النحو من الضخامة تدل على تنظيم معقد وإدارة دقيقة في الأمة التي أقامتها".

وتبين المصادر المسمارية أن السبب الأساسي من إقامة هذه الصروح العظيمة الضخمة لأغراض دينية تهدف إلى العلو والرفعة والمكان الذي يكون الاتصال فيه أقرب إلى التقديس حسب معتقداتهم المسمارية، بمختلف لهجاتهم وأقوامهم في بلاد الرافدين، بحسب مال الله، ويضيف الباحث "أنه مع التطور الكبير في الملامح الحضارية للعراق القديم، أدى الاهتمام بالعمارة الدينية إلى ظهور نمط من الأبنية كان لها المكانة الكبرى في مدن العراق القديم، وتمثلت بالزقورات التي أصبحت المعلم الأبرز للعمارة الدينية في بلاد الرافدين".

 
زقورة أور


مدينة أور بعد أعمارها 

هندسة فريدة

وتنفرد هندسة الزقورة ببناء يتكون من ثلاثة مصاطب، حيث تكون المصطبة الأولى عريضة وكبيرة، بينما الثانية أقل حجماً، إلى أن تصل الزقورة إلى قمتها وفيها غرفة تسمى المعبد، بحسب مدير المعهد العراقي للمحافظة على الآثار والتراث الدكتور عبد الله خورشيد.

وهنالك آراء مختلفة حول الأسباب التي أدت إلى ظهور الزقورات، فمنهم من يرى أنها كانت عبارة عن مراصد فلكية استعملت لرصد حركات النجوم ورؤية الهلال، ومنهم من ذهب إلى أن السومريين أقاموا هذه المعابد متأثرين ببيئتهم الأولى والتي اعتادوا فيها على إقامة معابدهم بالجبال، ولكن يرجح بأن الرأي الأكثر قبولا هو أن الزقورة بنيت لتشييد معبد فوقها يمثل استراحة إلههم عند هبوطه من السماء إلى الأرض، وهذا المعبد بني تكريما له على الأرض وفق المعتقدات القديمة.

وينوه خورشيد إلى أن معمار وادي الرافدين قام ببناء الزقورة على أشكال مختلفة، فمثلا هنالك اختلاف بين المصاطب والزقورات بين شمال العراق وجنوبه، ففي الجنوب تكون عريضة وفي الشمال مربعة، وفي الوسط قاموا بدمج الطرازين مع بعضهما، لافتاً إلى أن زقورة برج بابل تعد من عجائب الدنيا السبع، وفيها دلالة على التطور المعماري الهندسي الذي حدث في تلك الحقبة من الزمن، ومر تطور بناء الزقورات بـمراحل أربع، يوجزها خورشيد "بناء المعبد كان على الأرض المنبسطة في طوري العبيد الأول والثاني، ثم أصبح بناء المعبد على دكة بسيطة في طور العبيد الثالث، ليتطور الأمر بالمرحلة الثالثة إلى دكة مؤلفة من طبقتين في العصر الشبيه بالكتابي، و3 طبقات بالعصر السومري الحديث (2112-2004) ق.م.

برج بابل والشبه المعماري للزقورة لوحة تخيلة للفنان بيتر بروخل الاكبر 1563

برج بابل


أثرها المعماري

ويرى أستاذ حضارة بلاد الرافدين الدكتور قصي منصور أنه لا يمكن مقارنة بناء الزقورات في حضارة وادي الرافدين بالأهرامات في بلاد النيل، وما حصل هو تماثل فكري قد يحدث رغم البعد الجغرافي، ويوضح أن نفس الغرض والفكرة وجدت لدى المعمار الرافديني، وهي نفس الظروف التي تولدت عند المعمار المصري القديم، وهذا لا يعني أن الغرض انتقل كصفة حضارية بتأثير الأول على الثاني، ويعتقد منصور أن الجوانب التي من خلالها تأثرت الآثار العمرانية في المنطقة بالزقورات، ترتبط بأغراض وأسس وعقلية معينة وفق معتقد ديني وعلمي بنفس الوقت.

وعن تأثر العمارة الإسلامية بالزقورات، مثل ملوية سامراء ومئذنة جامع أبي دلف وغيرها، يقول منصور (رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والحضارة وعلم الأديان بالمعهد العالمي للتجديد العربي) إن الأمر لا يخلو من تأثر لا سيما إذا عرفنا أن الغرض الأساسي لبعض الأبراج والأبنية المرتفعة بالحضارة الإسلامية لرفع الأذان وإيصال الصوت بشكل مرتفع إلى كافة من يسمع، وأيضا فإن المآذن تستخدم لمراقبة هلال الشهر، لذلك يوضع الهلال على قمة المئذنة وغير ذلك من الأبنية التي لها دلالة ورمز ديني بحت.


 

عجائب العالم السبع

يقول العالم الإنثربولوجي مزهر الخفاجي، أستاذ حضارة الشرق الأدنى في جامعة بغداد، إن "الهدف من بناء الزقورات ديني بحت، الغرض منه التواصل بين الأرض والسماء، بين الحاكم الإله والحاكم المدني، وكانت الشعائر والنذور وتتويج الملوك تتم فيها".

وأوضح الخفاجي أن هذه المعالم "لها ثلاثة أشكال معمارية في العراق القديم وكل حسب منطقة بنائه، ففي الجنوب أور ونفر وكيش، صممها المعماري بشكل مستطيل بعد أن ثبّت أركانها على مسطبة أرضية عالية، ثم وضع فوقها طبقات عدة للحفاظ على طهارة المكان من المياه الجوفية أو الفيضانات".

وبيّن أن "في الشمال منطقة آشور وكالح وخورسباد بُنيت على شكل مربع، بينما جمع البابليون بين هذين الشكلين الهندسيين وبنوا زقوراتهم على ما اصطلح على الشكل المدمج، حيث التناغم بين زقورات الجنوب والشمال.

أما قمة الإدهاش العمراني كما يقول الخفاجي فهي برج بابل أو الجنائن المعلقة التي تشكّل أسرارها إلى اليوم تحدياً للعلماء، حتى عُدت "من عجائب العالم السبع".

زقورة عقرقوف


 

بيت أبي الأنبياء

ولم تأخذ مدينة "أور" شهرتها من زقورتها المعروفة عالمياً، وإنما لكونها مسقط رأس أبو الأنبياء إبراهيم الخليل؛ ولا يزال بيته (عليه السلام) موجوداً كشاهد على أهمية هذه المدينة من الناحية الدينية، أما زقورتها التي قام ببنائها الملك أورنمو 2100 ق.م، فتعد من أشهر الزقورات في بلاد الرافدين، بل إن عالم الآثار البريطاني ماكس مالون يذهب إلى أن زقورة أور لا يجد لها ما يقارن بها في بلاد الرافدين كلها، بسبب اللون الأحمر القاني وتكوين البناء الذي استخدم فيه الآجر والترتيب المستنبط ببراعة وسلالمه الثلاثة المؤلفة كل منها من (100) درجة.

يُذكر أن التنقيبات تشير إلى أن عدد الزقورات المكتشفة حتى الآن يبلغ حوالي (30) زقورة موزعة على مختلف مدن العراق، وفي بعض الأحيان توجد زقورتان في المدينة الواحدة كما في الوركاء، وأحياناً يوجد ثلاث زقورات كما هو الحال في مدينة كيش وآشور، وتعدد الزقورات في المدينة معناه تعدد المعابد، حيث إن لكل معبد زقورة خاصة به.

 
مدينة أور وبيت النبي أبراهيم وقصر الملك

زقورة أور

وتعد زقورة أور واحدة من أهم الزقورات بحضارة وادي الرافدين، وتنطلق إلى الحضارات العربية ومن ثم العالمية، كون أن المعتقدات الدينية تلعب دورا رئيسا في جميع نواحي حياة سكان بلاد الرافدين القدامى، بحسب أستاذ تاريخ الفن القديم الدكتور محمد العبيدي.

ويضيف العبيدي "أن مدينة أور السومرية اكتسبت شهرة واسعة بفضل ما اكتشف بمقبرة أور الملكية التي أثارت دهشة العالم الحديث، لما فيها من آثار وكنوز ذهبية وفضية اكتشفت خلال الأعوام 1922-1934 حيث وجدوا بهذه المقابر ما يناهز 2500 قبر تعود إلى عهد سلالة أور الثالثة، وأمكن تعيين أسماء بعض منها كما تم تشخيص ما لا يقل عن 16 قبراً بكونها القبور الملكية.

Ziggurat of Ur


 

قصر الزقورة في المنطقة الخضراء الوقت الحاضر


 

المصادر//

- جواد الحطاب/ مقال منشور في 2013، في العربية.

-  الجزيرة الوثائقية.

 

 

 

تعليقات

التنقل السريع