القائمة الرئيسية

الصفحات

 

العهد الملكي في العراق 1953 – 1958

تناولت في هذه المنشورات العهد الملكي بعهوده الأولى حيث حكم الملك فيصل الأول والملك غازي الأول والملك فيصل الثاني، وتحديد مقتطفات من محطات الملوك الأوائل، من خلال تسليط الأضواء على المؤسسة الملكية بإيضاح تعريفي، وهنا سألقي الضوء على أخر الملوك فيصل الثاني، وفترة الحكم القصيرة التي حكم فيها العراق والتي أدت بالنهاية إلى وفاته المأساوية، في قصر الزهور.

 

الملك فيصل الثاني

في 24 أيار 1953 بلغ فيصل الثاني سن الرشد وأصبح ملكاً على العراق وهو في الثامنة عشر من العمر، غربي التعليم ولديه أفكار ديمقراطية وكان أمامه فرصة رائعة  للتعامل بيسر مع الطبقة المثقفة في المدن، وقد أحبه العديد من العراقيين لتواضعه وطيبه قلبه إلا أن افتقاره إلى الخبرة وكونه خجولاً وعاش بعيداً عن الاختلاط بالناس بسبب سيطرة خاله عليه ومعاملته أحياناً بقسوة من قبله بعكس ابن عمه الملك الحسين بن طلال الذي تولى الحكم في فترة متقاربة ودرسا سوية في انكلترا والذي امتلك صفات شخصية قيادية ، ولا ننسى كونه الابن الوحيد لغازي والذي فقده مبكراً ونشأته في رعاية مفرطة من قبل عماته وخالاته وموت أمه عندما كان في الخامسة عشر من عمره مما جعله ينشأ في محيط منعزل عن المجتمع العراقي . أن صفاته الطيبة لم تشفع له عند الضباط الذين كانوا تواقين للإطاحة بالعائلة المالكة وتولي السلطة.

 

الملك فيصل الثاني

مؤسسة رئاسة الوزراء : عبد المحسن السعدون، نوري السعيد أنموذجاً.

عبد المحسن السعدون ينتمي إلى عائلة السعدون المعروفة في العراق والتي شكلت إمارة المنتفك في العهد العثماني بعد قدومها من الحجاز في القرن السادس عشر ولعبت دوراً مؤثراً في العهد العثماني إلى نهايته وعمل في بداية حياته معاوناً في حاشية السلطان عبد الحميد بعد أن درس في كلية أبناء العشائر في استانبول وأصبح نائباً في مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني) عشر سنوات، ورغم كونه رجلاً عشائرياً إلا انه كان رجلاً مدنياً بصورة عامة وكان يتمتع بثقة الانكليز وترأس الوزارة أربعة مرات وكان عمره عندما تولى الوزارة الأولى 43 سنة وأسس حزب التقدم ولم يكن الملك فيصل يميل إليه سيما وان شخصيته القوية فضلاً عن ميله إلى الجمهورية وكان يشكل وسيلة ضغط على فيصل من قبل الانكليز والذي كان يعارض بعضاً من سياستهم في فرض الهيمنة على البلاد وان دعمهم لضم الموصل يقابله مصالح نفطية فضلاً عن عقده معاهدة وما الحق بها من اتفاقيات مالية وعسكرية لمدة 25 سنة وكل ذلك دفع فيصل إلى إيجاد منافسين للسعدون مثل ياسين الهاشمي و رشيد عالي الكيلاني والعمل على شق حزب التقدم الموالي له.

عبد المحسن السعدون


 كما أن الملك فيصل كان يتهم السعدون بأنه وعائلته موالين لعبد العزيز آل سعود ومذهبه الوهابي, إلا أن السعدون وفي السنة الأخيرة من عمرة قام بتغيير مساره ووقف إلى جانب الملك ضد المندوب السامي البريطاني في عدد من القضايا, مثل سيطرة العراق على قواته المسلحة. وكان يتأثر كثيراً بالأصوات التي تتهمه بالخيانة, ووجد نفسه بين سندان تصلب الانكليز ومطرقة المعارضين السياسيين وهجره أتباعه أنفسهم فأقدم على الانتحار في 13/11/1929 وجاء في وصيته التي تركها لابنه علي (...الأمة تنتظر خدمة والانكليز لا يوافقون, العراقيون ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيراً عن الاستقلال, يظنون إني خائن للوطن وعبد للانكليز, ما أعظم هذه المصيبة, أنا الفدائي الأشد إخلاصا لوطني...) وانضم إلى هذه المشاعر زوجته التركية التي كانت صعبة المراس والتي حولت حياته إلى جحيم مما أدى إلى انهياره.

    وعلى صعيد أفكاره السياسية نجد انه كان متخوفاً على العراق من تركيا رغم انه كان يتكلم اللغة التركية كلغة ثانية وزوجته تركية, كما كان قلقاً على الدولة العراقية من التنوع القومي والطائفي والديني وكان يرى أهمية تحسين العلاقات مع  تركيا خوفاً من أن تقوم بإثارة الكرد والتركمان على حدودها. كما كان يرى أهمية تحسين العلاقات مع بريطانيا وان العراق بحاجة إليها في استقراره سواءً للوقوف ضد التهديدات الخارجية أو لتأمين الداخل العراقي إلى حين استقرار العراق وتمتعه بالقوة.

 

الباشا نوري السعيد

نوري السعيد من رجال الدولة الذين تركوا بصماتهم في تاريخ العراق الحديث فقد عمل مع الملوك الثلاثة فيصل الأول وغازي وفيصل الثاني وعاصر أحداث جسام ساهم فيها بشكل كبير وبلغ عدد الوزارات التي شكلها أربع عشرة وزارة وإذا كانت علاقاته مع فيصل الأول جيدة مع بعض الخلافات إلا أن علاقته مع غازي لم تكن كذلك فقد اتهم نوري الملك غازي بأنه متواطئ مع الفريق بكر صدقي في الانقلاب الذي ذهب ضحيته وزير الدفاع جعفر العسكري والذي كان نوري زوج أخته, علماً بأنه حاول قبل موت فيصل الأول بثمانية أشهر إقناع البريطانيين بتغيير ولاية العهد إلى الأمير زيد الأخ غير الشقيق لفيصل, كما استغل هروب شقيقة غازي عام 1936 لمحاولة الإطاحة به ولعبت الاعتبارات الشخصية دوراً في عدائه لغازي منها كراهية غازي لصباح بن نوري, كما كان غازي يبادله الكراهية نفسها واستقبله مرة واقفاً ولم يدعه إلى الجلوس وصرفه بعد دقائق.

   وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية اعتقد نوري السعيد أن الانكليز بعمقهم السوقي هم المنتصرون وليس الألمان الذين ليس لهم عمق ألا أوربا نفسها وكان يرى إن التحالف الروسي الألماني معرض للانهيار وهو ما حدث فعلاً, كما كان يعتقد أن الولايات المتحدة لن تدع بريطانيا لوحدها في مواجهة دول المحور وكان ناجحاً وموفقاً في تحليله مما يدل على بصيرة سياسية.

وعن علاقة نوري مع الوصي نلاحظ انه بعد توسيع صلاحيات الملك عام 1943 ازدادت صلاحيات الوصي عبدالإله, فبدأ العمل بمفرده واصطدم بنوري وحاول إيجاد فريق سياسي موال له أزعج نوري السعيد وأربك التحالفات السياسية على غير ما يتمناه نوري ولذلك وصف الانكليز نوري خلال الأربعينات عند تشكيله حكوماته المتعاقبة انه كمن يكرر (توزيعه للورق من شدة قديمة وبالية). وحاول إقناع الوصي بعد تولي الملك فيصل الثاني مهامه الدستورية بالمغادرة كسفير عبر رسالة شفوية حملها احمد مختار بابان المحسوب على الوصي.

  وعلى الصعيد القومي فان نوري سبق وان حذر رئيس وزراء بريطانيا من شن العدوان الثلاثي على مصر 1956 كما حذره من تحالفه مع إسرائيل أو فرنسا ضد مصر لان ذلك سيلحق اشد الضرر بالمصالح البريطانية.

  كما إن دعمه لإنشاء حلف بغداد 1956 جاء من اجل مكافحة الشيوعية وتسليح الجيش العراقي لأنه لم يرد أن تذهب أموال النفط لتسليح وتجهيز الجيش العراقي. وقد لعبت الدعاية المصرية دوراً مهما في تشويه أهداف هذا الحلف والتشهير بنوري فضلاً عن الدعاية الشيوعية النشطة ضده لان الحلف معاد للاتحاد السوفيتي.

وعندما أعلن الاتحاد الهاشمي الفدرالي بين الأردن والعراق 1958 اختير نوري رئيساً لوزراء الاتحاد رغم انه لم يكن من المتحمسين له وان كانت أهم أهدافه توحيد الجيشين العراقي والأردني الذي سيرابط على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني وهو محتاج إلى مال ولم يكن أمامه سوى المساعدات الأجنبية من بريطانيا وأمريكا وهو ما رفضه وطالب بضم الكويت إلى الاتحاد لتمويل الأردن الفقير والجيش, وعندما تلكأت بريطانيا اجتمع مع السفير البريطاني اجتماعاً صاخباً وابلغه إن العرب سيصبحون أعدائكم بسبب إسرائيل  ( البلاء) وان أصدقائكم سيسحلون في الشوارع وهنا يصدق حسن العلوي حينما يقول أن بريطانيا قتلت نوري السعيد, أما موقفه من الديمقراطية والأحزاب فقد كان يرى إن الديمقراطية تحتاج إلى شعب مؤهل نفسياً وثقافياً وسياسياً للديمقراطية, أما علاقته بالأحزاب فبرغم تأسيسه للأحزاب أو دعمه لها فان نوري كان قليل الإيمان بالحياة الحزبية.

وختاماً فقد عاش نوري 70 سنة قضى منها 20 سنة في السياسة مات نظيف اليد ولم يتدخل في تعيين أقاربه أو أصدقائه واحترم القضاء, وإذا كانت هناك انتقادات فهي عناده وإصراره على رأيه ولم يهتم بتجميل صورته في الإعلام والدعاية لنفسه.

تعليقات

التنقل السريع