القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الكاتب جعفر الحسيني
 27 أبريل، 2022

 

المرأة والمجتمع العراقي

لا اعتقد إن هناك بلدا تُظلم فيه المرأة وتُحتقر وتُقتل على الظنة والتهمة كالعراق، وقد زاد الطين بلةً  في ما بعد 2003 ضعف الدولة وترييف المدن وفوضى السلاح وتسيد الظاهرة العشائرية. عموما فان ثمة ردة ثقافية – اجتماعية اجتاحت المجتمع، حتى يمكنني القول إن عراق 1920، عندما كانت نسبة القراءة والكتابة فيه تدور بين (3%-6%)، كان أكثر اتساقاً مع نفسه من العراق الحالي، أو قل أن كل الانجازات المادية وغير المادية التي تحققت على طريق التقدم، طيلة المائة عام الماضية، قد فشلت في تحرير المجتمع، أو أنها كانت فوقية ولم تصل إلى أعماق المجتمع فأنتج هذا عندنا حداثة رثة: نستعمل احدث ما ينتجه العلم، في حين لازلنا نفكر بعقلية عثمانية.



الدين والمرأة

إن المرأة عندنا، وقعت بين دين عامي (لا يمت للدين بصلة)، وعادات عشائرية، القيمة العليا فيها هي القوة وتطري الحرامي بدواس ليل و (رَجال) وتحتقر الضعفاء الأربعة (المرأة، الطفل، المعوق، الغريب)، ومجتمع متخلف طغت عليه القيم الريفية، فعندما تُذكر المرأة، لازال ذكرها يقترن بالقول عند الكثيرين: (تكرم عن طاريها، أو محشوم، أو أجلك الله) وقد سمعتُ ذلك حتى من ضباط وموظفين كبار، وبعض الأرياف في الجنوب، عندما تموت المرأة، لا يُجرى لها تشييع ولا تُقام لها فاتحة، والحمد لله قد اختفت أو كادت، ظاهرة (الفصلية) أي المرأة التي يتم تقديمها للخصم ليتزوج بها، كجزء من الفصل العشائري، حيث يسيئون التعامل معها غالباً، وتكون اقل قدراً من باقي النساء وقد دارت حول ذلك أشعار وأغان مشهورة.

ولازالت ظاهرة ضرب الزوجة، وشتمها، وأهانتها شائعة وقد فاجئني بل صدمني قبل أيام، وكنا مجموعة أصدقاء، وكلهم حملة شهادات جامعية، وعندما طُرح موضوع ضرب الزوجة، بأنهم كلهم قد ضربوا زوجاتهم ذات مرة، بل وان بعضهم لازال يمارس هذه (الجريمة) كل سنة أو سنتين، عندما يُخرجه الغضب عن طوره مع الإشارة إلى أن أعمارهم بين 40 و45 سنة.


الذكورية

إن العقلية الذكورية عندنا، تُبيح للرجل أشياء كثيرة وتتسامح مع نزواته أو بكلمة أدق تتغافل عنها، فهو رجل لا يُعاب عليه شيء، بينما تُقتل المرأة على التهمة والظنة، بل أنها تُقتل حتى عندما تتعرض للاغتصاب وتكون هي الضحية فهي عورة على أي حال٠ وقد سمعتُ من احدهم أن المرأة لا تُغتصب إلا عندما تسلم نفسها بمحض إرادتها !!!! واعرف فتاة في عمر الزهور، تعرضت لعملية اغتصاب وكل ظروف الحادث تؤكد بما لاشك فيه أن الفتاة ضحية بريئة وعندما بان الحمل عليها، قتلها والدها النجار الطيب، والذي ذهب إلى السجن حيثُ أصيب هناك بالتدرن ومات، وضاعت عائلته الفقيرة بعده أيما ضياع، وتقترن جرائم (غسل العار) في مرات كثيرة بالتمثيل بالضحية، وقد يقطعون يديها لعرضها على الناس ويشهد الله أنني بالكاد تمالكت نفسي وأنا أشير إلى هذه البشاعة التي ما بعدها بشاعة.

وتُعامل المرأة داخل البيت في الريف وامتداداته في المدينة كخادمة تقوم بخدمة العائلة وضيوفها، وحتى عندما يُريد الأخ أن يشرب ماءً، فعلى الأخت أن تنهض وتجلب له الماء، وفي احد الأرياف، عاد رجل إلى بيته وقت الغداء، بعد أن قضى صباحه بالثرثرة مع اقرأنه، فوجد أن الغداء لم يجهز بعد، وكانت زوجته قد قضت صباحها تجمع الحطب للطهي و تحصد الحشائش للحيوانات فقام بربطها على الشجرة وحرقها، علماً أنها كانت قد أنجبت من هذا الوحش دزينة كاملة من الأولاد.

إنني من الذين يعتقدون بان القوانين لا تحل مشكلة المرأة بالعراق إلا جزئيا، خاصة مع مجمل الظروف السائدة، فالبلد بحاجة إلى نهضة شاملة، مفتاحها الأساسي هو التعليم، وبدون ذلك ستكون القوانين مجرد تغييرات فوقية، شأنها شأن كثير من القوانين التي صدرت منذ ثورة 1958.


مفارقات

المفارقة، أن بعض الريفيين تحسنت نظرتهم للمرأة ولو نسبيا، بينما نجد متعلمين قد تريفوا، ولي صديق يعمل أستاذاً جامعياً، وكان ماركسيا متشبثا بالماركسية، لكنه كان يرى المرأة شيطاناً، والغريب انه عندما تزوج ورُزق ببنت واحدة وعدد من الأولاد، ظل يميز أخوانها عليها بشكل واضح، الأمر الذي كان يذكرني بمقولة لكاسترو: بعض الثوريين تحولوا إلى قساوسة، وبعض القساوسة تحولوا إلى ثوريين.

وعلى ذكر المرأة كشيطان والشيء بالشيء يذكر، وهو ما يحفل به التراث الديني القديم (اليهودي، المسيحي) ودخل منه الكثير في التراث الإسلامي، وقد أورد ابن أبي الحديد (المُتوفى ٦٥٦ هـ) ألف كلمة قال عنها بأنها اشتهرت أو نُسبت للإمام علي، وفي بعضها ذم شديد للمرأة وبأنها شر لابد منه، وقد حققها احد العلماء واثبت بأنها لفلاسفة إغريق وليست للإمام علي٠ وأرجو أن يُطبع هذا التحقيق قريباً .


تعليقات

التنقل السريع