العيد الوطني العراقي
الكاتب جعفر الحسيني
14 تموز/ يوليو 2019
العيد الوطني
يُعبر العيد الوطني في كل بلد، فضلاً عن الرموز
الوطنية الأخرى كالعلم والنشيد الوطني، عن سيادة البلد واستقلاله، وتاريخه وحضارته،
من جانب أخر، فأن العيد الوطني، هو يوم للأحتفال سنوياً بالمنجزات الوطنية،
ولتعزيز أنتماء المواطنين لوطنهم، ولتأكيد ما يجمعهم رغم هوياتهم المتنوعة.
وعادة ما يرتبط (العيد الوطني) باستقلال الدولة، أو
تأسيسها، أو أنتصار ثورة قامت فيها بشرط ان يكون عليها اجماع وطني، وبعض الدول
تتخذه من تولي الملك مقاليد الحكم فيها، بل وبعضها يتخذ من حدث تاريخي مهم، عيداً
وطنياً، فأستراليا، تتخذ من ٢٦
يناير/ كانون الثاني،
عيدها الوطني وتسميه (يوم أستراليا) ، والذي يصادف يوم وصول طلائع المستوطنين
البريطانيين عام (١٧٨٨) إلى أستراليا، وهو ما يعتبره السكان الأصليين إهانة لهم،
ويتظاهرون فيه سنوياً أحتجاجاً على إتخاذه عيداً وطنياً، ويسمونه (يوم الغزو).
ومثال آخر على ذلك، اسبانيا، والتي تتخذ من يوم وصول
كولومبس للقارة الامريكية فــــــــــــي ١٢
أكتوبر/ شباط عام (١٤٩٢) عيدها
الوطني، وتسميه من بين أسماء اخرى (يوم كولومبس)، والذي تعتبره رمزا للثقافة
والحضارة الاسبانية (بالمناسبة كولومبس إيطالي الأصل والولادة والجنسية)، ولم ينضم
للاسبان ألا قبل رحلته الشهيرة ببضعة أشهر)، وفي اسبانيا أيضاً، يوجد مَن يحتج على
مناسبة كهذه فمقاطعة (كاتالونيا) الطامحة للانفصال، تعتبرها رمزا للأحتلال
الاسباني لأراضيها، وللتصفية العرقية لسكان القارة الأمريكية الأصليين.
وينادي سياسيون ومثقفون اسبان بأختيار يوم آخر بدلا
منه، بل أن استطلاعاً للرأي كشف ان نسبة هامة من الاسبان يرفضون هذا العيد، ويمتد
هذا الجدل إلى القارة الأمريكية نفسها، وخاصة في أمريكا الجنوبيه، حيث تسميه
فنزويلا مثلاً (يوم المقاومة) أي مقاومة شعوب أمريكا اللاتينية للغزو الأوربي.
وإذا إستثنينا بريطانيا، التي ليس لها عيد وطني رسمي،
أنما عيد ميلاد الملكة، هو بمثابة اليوم الوطني، فأن ثمة بلد وحيد في العالم ليس
له عيد وطني :هو العراق.
العراق
والحقيقة إن العراق كان يتخذ من يوم جلوس الملك فيصل
الاول على عرش العراق عام (١٩٢١)، والذي يصادف ٢٣ آب ، عيداً
وطنياً في العهد الملكي، وبعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، صار يوم الثورة هو العيد الوطني،
لكن النظام السابق وفي عام (١٩٧٠) حول العيد الوطني الى ١٧ تموز، ومن هنا بدأت المشكلة، فما أن سقط النظام حتى تم إلغاء
الأحتفال بإنقلابهم، وظل البلد بعدها بلا عيد وطني.
جريمة وطنية
إن التلاعب بالرموز الوطنية، وتغييرها، كلما حدث أنقلاب
عسكري، هو جريمة وطنية، اذ انه يضعف تلك الرموز، ويلغي دورها الوطني، ويحولها إلى رموز
أنظمة أو أحزاب، مما يُفقد الرموز الوطنية قيمتها في الذاكرة الشعبية، ويُجهز على
كل عوامل الاستمرار والتواصل والترابط بين الأجيال المتعاقبة، والتي من شأنها
تعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
لقد غير العراق علمه مثلاً خمس مرات، والعيد الوطني أربع
مرات، وشعاره ثلاث مرات، بينما أحتفظ كمال اتاتورك بالراية التركية، والتي كانت
عثمانية، رغم أنقلابه على كل ماهو عثماني.
ولازال العراق وحتى هذه اللحظة من دون عيد وطني، بل
ولازال علمه وشعاره مؤقتين.
ثلاثة أقتراحات للعيد الوطني للعراق
الأول// يوم ٣
تشرين الاول /أكتوبر، والذي يصادف أنتهاء الأنتداب البريطاني عام ١٩٣٢، وهو حدث
شكلي، فقد ظل النفوذ البريطاني في العراق بعده قوياً، بل وقامت بريطانيا باحتلال
العراق أحتلالاً مباشراً عام ١٩٤١، ومن ثم فلا قيمة تاريخية له، ولا العراقيون
يتذكرونه، بل لم يسمع به أغلبهم.
الثاني// يوم تأسيس المملكة العراقية، في ٢٣ أب،
والذي يصادف يوم تتويج الملك فيصل الاول عام ١٩٢١، وقيمته تأتي من كونه يوم تأسيس أول
دولة عراقية في التاريخ، ولكنه لا يحظى بقبول شعبي.
الثالث// يوم تأسيس الجمهورية العراقية، في ١٤ تموز
١٩٥٨، وهو الأقتراح الأكثر قبولاً عند أغلب العراقيين.
وإذا كان ماجرى فيه من قتل وسحل، هو سبب أعتراض البعض
عليه، فان الفرنسيين، ومع أعتزازهم بالقيم الديمقراطية، يتخذون من الثورة الفرنسية
يوم ١٤ تموز، عيدهم الوطني، رغم ماحدث
فيها ولسنين عديدة من فضائع ومآسي.
إن البحث عن صور مثالية، لأتخاذها رموزاً وطنية، هو
ضرب من الوهم، ولنضرب مثلاً بفرنسا ثانية فالعلم الفرنسي الشهير، بالوانه الثلاثة
المميزة، أصله مجهول إلى حد بعيد، مما يترك مجالاً لتعدد الحكايات والنوادر، وتروي
الأسطورة أن الرسام لويس دافيد هو من أختار ترتيب الوان العلم.
حتى النشيد الوطني الفرنسي (لا مارسييز)، تم تلحينه
في البداية بصيغ مختلفة، مما كان يؤدي إلى حدوث فوضى عارمة عندما كانت تجتمع عدة
فرق موسيقية لتؤدي النشيد.
إن العراق اليوم أحوج بلد في العالم، لأحياء رموزه
الوطنية وتعزيزها، ليتوحد حولها شعب العراق، ويترسخ بها بناء دولته، ومن ثم لا يجوز
أن يبقى هو البلد الوحيد في العالم، الذي لا يملك عيداً وطنياً.
المقال يعبر عن رأي كاتبه..
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع