الدبلوماسية في العراق القديم
هناك إشارات إلى الأنشطة الدبلوماسية التي حققت نتائج
مهمة على صعيد العلاقات الدولية في العراق القديم، وكانت أحياناً تحول دون اندلاع
الحروب وتعمل على المحافظة على السلام من غير إقامة علاقات صداقة حقيقية بسبب
تباعد المصالح، وأن أول إشارة إلى عقد معاهدة بين دولتين جاءتنا من عصر فجر
السلالات عندما توترت العلاقات بين دولتي لكش وأوما السومريتين حيث
توسطت كيش بينهما وتم عقد أول معاهدة دولية وصلتنا في حدود 2500 ق.م.، وتعد
هذه المعاهدة أولى الجهود البشرية في تنظيم العلاقات الدولية ووضع الضوابط اللازمة
لها بحيث تعترف بها جميع الأطراف، كما استخدم الزواج السياسي في تعزيز العلاقات
بين الدول حيث أشير إلى إن الملك (شولجي ابن أورنمو) من سلالة أور الثالثة
وطد علاقاته مع البلدان الأخرى بعلاقات دبلوماسية قوية من خلال المعاهدات السياسية
حيث زوج ابنته من ملك (ماراخشي) الواقعة شمال غرب عيلام وزوج ابنته الثانية
من حاكم (إنشان) في عيلام أيضاً.
كما زوج الملك الآشوري آشور اوبالط ابنته من ولي
العهد اللكشي، وعندما اغتيل ولي العهد بعد وفاة والده تدخل آشور اوبالط لتنصيب
حفيده ملكاً على بابل، كما أشير أيضاً إلى أنالكاشيون تبادلوا الأميرات مع
المصريين من خلال الزواج في عهد الملك بورنا بورياش والفرعون اخناتون
كما أشير في عهد حمورابي إلى ظهور تحالفات بين دول المنطقة لتحقيق التوازن
وهذه الأحلاف لا تتم ألا بعد اتصالات دبلوماسية تعمل على التوفيق بين مصالح الأطراف
المختلفة من خلال صياغات دبلوماسية دقيقة، وامتاز الملك الآشوري شمس ادد بكونه دبلوماسياً بارعاً حيث وطد
علاقاته مع عدد من الممالك السورية ومنها مملكة كركميش وقطنا بهدف
تأمين سلامة القوافل التجارية المتجهة إلى الساحل السوري واسيا الصغرى ومن المتوقع
أن هذه التفاهمات تستند إلى المصالح المشتركة القائمة على المصالح السياسية، والتطمينات
المتبادلة فضلاً عن الفوائد الاقتصادية المتحققة للطرفين وعلى المنوال نفسه أقام الآشوريين
مع الكاشيون علاقات تعايش سلمي وحسن جوار حيث أشير إلى أبرام معاهدات لإقرار الوضع
الراهن وتثبيت الحدود فضلاً عن ذلك كله وردت إشارات إلى أن الدبلوماسية الآشورية
كانت تلجأ إلى إجراء مفاوضات مكثفة مع أمراء وحكام البلدان من اجل ضمان ولائهم .
وكانت أجهزة
الاستخبارات يصوبون ويدعمون صاحب القرار السياسي في العاصمة عبر تزويده بمعلومات
دقيقة عن البلدان التي يعملون على أراضيها وطبيعة تحركاتهم العسكرية وتحالفاتهم السياسية
من اجل اتخاذ القرار الصائب وكذلك أشير إلى إرسال وحدات عسكرية صغيرة لدعم الحلفاء
لضمان استمرار تحالفهم مع الدولة الآشورية وليثبتوا لهؤلاء الحلفاء بان الدولة الآشورية
تدعم حلفائها عند الشدائد ولا تختلف عنهم.
وعلى صعيد الدبلوماسية الآشورية أشير إلى أن الملك شلمنصر
أقام علاقات صداقة مع مصر والتي أرسلت هدايا إلى الملك الآشوري كما عقد ابنه شمس
ادد معاهدة مع بابل أفادته في صراعه مع خصومه، وأشير إلى اسرحدون لجأ إلى
العمل الدبلوماسي المكثف للتمهيد لحملته على مصر عبر أقامة علاقات ودية مع حكام
الطريق المؤدي إلى مصر.
العلاقات الدبلوماسية في حضارة وادي الرافدين
عرفت حضارة وادي
الرافدين أول مفهوم للدولة في التاريخ البشري، فقد ظهرت فيه الدولة المنظمة التي
استخدمت الوسائل الحديثة في بسط سلطتها على الإمارات والأقاليم التابعة لها وإقامة
تحالفات وعقد معاهدات السلام وعدم التعدي، كما شهدت حضارة وادي الرافدين الحروب
الدامية واستخدمت الوسائل الدبلوماسية الحديثة في سبيل وقف هذه الحروب وتسوية
المنازعات الناشئة بينها بالوسائل السلمية المعروفة لدينا في الوقت الحاضر، وقد
تميزت حضارة وادي الرافدين بتعدد الدول فيها أحيان كثيرة وبسيطرة دولة واحدة في
أحيان أخرى، وهو أمر يتطلب إقامة تحالفات وعقد العديد من المعاهدات بين هذه الدول
وتبادل الرسل والبعثات الدبلوماسية وقتي السلم والحرب، ومن أبرز دول حضارة وادي
الرافدين هي دويلات المدن السومرية والامبراطورية البابلية القديمة، والامبراطورية
الآشورية
.
دويلات المدن السومرية:
ظهر السومريين
على مسرح الحضارة في العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الرابع
والعشرين قبل الميلاد، وقد تميزت حضارة دويلات المدن السومرية بالنظم والقواعد القانونية،
حيث عُقدت العديد من المعاهدات في العديد من المجالات، وقد عثر على أقدم معاهدة في
التاريخ، وهي المعاهدة المعقودة بين دولة مدينة ( لكش) ودولة مدنية (أوما)
المجاورة سنة 3100 ق.م، حيث نقشت على نصب حجري باللغة المسمارية، وتضمن النص الذي
أكد على وجوب احترام الحدود التي اعترف بها شعب (أوما)، مقروناً بقسم لبعض الكهنة،
كما تضمنت تلك المعاهدة شرطاً على التحكيم لحل المنازعات التي تثور بسبب الحدود
بين الطرفين، ويتضح من ذلك أن هذا العصر شهد أول تطبيق للمعاهدات الدبلوماسية
المكتوبة المعقودة بين الدول
.
وتعد حضارة وادي الرافدين أول من اكتشف
الكتابة في التاريخ الإنساني، واستخدمت في المخاطبات الدبلوماسية، والتي لا تزال
من أهم القنوات الدبلوماسية المستخدمة بين الدول، فيها تكتب المذكرات الدبلوماسية
والمعاهدات، وعلى الرغم من ظهور الكتابة في العديد من الدول بعد ذلك فإنها لم
تستغن عن الحرف المسماري، فقد استخدم الخط المسماري في المخاطبات بين الدول
القديمة وكتبت المذكرات الدبلوماسية بالخط المسماري رغم اختلاف لغات ولهجات الدول .
الامبراطورية البابلية القديمة:
تعد الامبراطورية
البابلية أول دولة في التاريخ الإنساني تطبق القواعد الدبلوماسية في تعاملها
مع الدول الأجنبية، وخاصة تلك القواعد المتعلقة بالأستقبال الدبلوماسي في تعاملها
مع الدول الأجنبية، وهي أول من عرف النظام البريدي الذي يُعد قاعدة أساسية في
العلاقات الدبلوماسية، وبموجب هذا البريد يستطيع رئيس الدولة الإطلاع على كافة
أحوال دولته والمدن الخاضعة له والدول الأعداء، وما يحصل فيها من تطورات، وقد
إقتبس الفرس واليونان نظام البريد الذي كان مطبقا في دولة بابل، كما انتقل هذا
النظام إلى الدولة العربية والإسلامية
.
وكان ملوك بابل
يعقدون الأحلاف مع الدول الأخرى، وقد عثر المنقبون على معاهدة حلف في عهد حمورابي
ضمت أقوى الأعداء لبابل، كما عمد ملوك بابل إلى عقد معاهدات هدنة وسلام من أجل
التخلص من آثار الحرب والتفرغ من أجل البناء والإعمار، ويعتقد بأن العلاقات الدبلوماسية
التي كانت بين الدولة البابلية والمقاطعات الخاضعة لحمايتها والدول الأجنبية إنما
تعتمد العدالة أساساً في علاقاتها الدولية .
الامبراطورية الآشورية:
عندما أسس
الكاشيون (البابليون) دولتهم المستقلة في بلاد بابل، كان الجزء الشمالي من العراق
تحت حكم الأشوريين، وكانت علاقة الكاشيين بالملوك الأشوريين تتراوح بين السلم
والحرب وكانت حدود الدولتين تتغير باستمرار، وكان الملك الآشوري تكلاثبلز الثالث
745 – 727 ق.م. يبعث بممثله الشخصي لاستطلاع الأحوال والاتصال بالملوك والحكام في
الأقاليم، وكان ممثله الشخصي يرفع له التقارير السرية، ويمتلك الحرية التامة
لمعالجة القضايا الهامة، وقد تمكن الملك الآشوري تغلث فلاسر الثالث من الترحيل
الجماعي للأجانب غير المرغوب فيهم لإيمانه بأن ترحيلهم أنجح وسيلة لمنع التمرد
وعصيان الأوامر
.
وتعمل الدول في
الوقت الحاضر عند حصول منازعات على طرد الأجانب العائدين للطرف الآخر، أو على
الأقل تقييد حريتهم، وقد تطورت التجارة الخارجية في الدولة الآشورية، وأقام
الآشوريون الأحلاف والمعاهدات مع الدول الصديقة والحليفة الخاضعة والتابعة،
واهتموا بحماية المبعوثين الدبلوماسيين الأجانب، في الوقت الذي كان المبعوثين
الدبلوماسيين في أوروبا لا يتمتعون بحماية دبلوماسية حتى عهد قريب .
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع