ثورة 14 تموز وتأسيس النظام الجمهوري الجديد
مراجعة تلخيصية للفترة من قيام الثورة ولغاية الانقلاب على عبدالكريم قاسم من قبل البعثيين الأوائل، حيث تطرقت إلى فترة الحكم الملكي في العراق، والعهود الثلاثة للملك فيصل الأول، والملك غازي الأول، والملك فيصل الثاني، وتناولت خلال مقالات عدة المؤسسة الحاكمة واتخذت نموذجين من رؤساء الوزراء وهم رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون، ورئيسالوزراء الباشا نوري السعيد، والتطرق إلى المؤسسة العسكرية والقبائل، والأحزاب السياسية وقضايا مهمة كقضية اليهود في العراق والاثوريين، وهنا تكملة لفترة الحكم الجمهوري الأول بقيادة عبد الكريم قاسم.
الانقلابات الفاشلة
سبق قيام ثورة
14 تموز 1958، التخطيط للقيام بعدة محاولات انقلابية لكنها لم تنفذ:
الأولى كانت في عيد الجيش في 6 كانون الثاني 1958، وتقضي بقيام
دبابتين بفتح نيرانها على منصة التحية في ساحة العرضات، حيث يجلس الملك وولي العهد
عبدالإله ورئيس الوزراء نوري السعيد، وفي الوقت نفسه تقوم قوات أخرى بالزحف إلى
بغداد إلا أن اللجنة العليا للضباط رفضت الخطة لمخاطرها العديدة.
الثانية اعتمدت على كتيبة الدبابات التي كان يقودها العقيد
عبدالرحمن عارف والتي كانت تتمرن في ساحات الاستعراض ولم تنفذ الخطة لرفض
عبدالرحمن تنفيذها.
الثالثة في أوائل مايس 1958 أثناء إجراء المناورات العسكرية في
الرطبة، ولم تنفذ لعدم حضور نوري السعيد وتقرر تنفيذ الثورة ليلة 11/12 مايس بعد
عودة القوات من المناورات إلا أن عبدالكريم أمر بعدم القيام بها خوفاً من
انكشافها.
الرابعة سنحت الفرصة عندما صدرت الأوامر إلى اللواء العشرين
ومقره جلولاء للتحرك إلى الأردن حيث قررت اللجنة العليا للضباط الأحرار القيام
بالثورة أثناء مرور القوات في بغداد غير أن قاسم والعقيد عبدالسلام لم يخبرا
اللجنة بموعد الثورة الذي صدر ليلة 14 تموز واعتمد على علاقاتهما الشخصية مع بعض
الضباط الذين يثقون بهم وكانت الخطة تقوم على أساس السيطرة على اللواء العشرين
الذي كان عبدالسلام عارف احد أمراء أفواجه كما تم الاتصال مع بعض قادة أحزاب جبهة
الاتحاد الوطني.
نجاح ثورة 14 تموز 1958 |
نجاح الثورة وتشكيل أول جمهورية
استطاع
عبدالسلام عارف الاستيلاء على معسكر الرشيد المهم واعتقال رئيس أركان الجيش الفريق
الركن محمد رفيق عارف الذي كان بيته في المعسكر ثم اتجهت القوات إلى السفارة الأمريكية
وطوقتها لمنع لجوء نوري السعيد إليها ثم أرسلت وحدة إلى قصر الرحاب وبعد معركة
قصيرة قتلت العائلة المالكة باستثناء إحدى الأميرات من خالات الملك فيصل والأميرة
هيام زوجة ولي العهد عبدالإله، وهرب نوري إلى بيت الاستربادي من بيته في الصالحية
وقتل بعد يومين، وأذاع عارف البيان الأول الذي تضمن إلغاء النظام الملكي وإعلان
العراق جمهورية والتمسك بالوحدة العراقية والتعاون مع الدول العربية والإسلامية
وتأليف مجلس للسيادة يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية ريثما يتم إجراء استفتاء لانتخاب
الرئيس وتأليف حكومة وطنية.
ويلاحظ إن
البيان مقتضب وغامض ولم يوضح كيفية تشكيل الحكومة ولم يشكل مجلس لقيادة الثورة
حسبما اتفق عليه سابقاً مع اللجنة العليا، ولا الموقف من حلف بغداد والإقطاع وظل
البيان مصدراً للسلطات وتفوق على الدستور المؤقت الذي صدر في 27/7/1958، وفي
البيان الثاني أعلن أسماء أعضاء السيادة واصدر المجلس المرسوم الأول بتعيين الفريق
الركن محمد نجيب الربيعي رئيساً وكان سفيراً في السعودية وعضوية محمد مهدي كبة
رئيس حزب الاستقلال وخالد النقشبندي الذي كان ضابطاً متقاعداً،ويعمل متصرفاً
(محافظ) لاربيل، وعُين قاسم قائداً عاماً للقوات المسلحة والعقيد عارف نائباً له
والمرسوم الثاني بتعيين قاسم رئيس للوزراء ووكيلاً لوزير الدفاع والمرسوم الثالث
بتعيين قادة جدد للفرق العسكرية ورغم التأييد العارم للثورة إلا أن السحل والقتل
وعدم مراعاة القيم الدينية والاجتماعية أسس لثقافة غريبة عن المجتمع العراقي، كما وفوجئ
الثلاثة المرشحين لمجلس السيادة بالترشيح ولم يؤخذ رأيهم وكان عمل المجلس متواضعاً
وليس له صلاحيات بل تابعاً لمجلس الوزراء في قراراته وتشريعاته.
الفت الثورة
وزارة برئاسة قاسم الذي أصبح وكيلاً لوزير الدفاع أيضاً وعارف نائباً له ووكيلاً
لوزير الداخلية ومحمد حديد وزيراً للمالية وعبدالجبار الجومرد وزيراً للتجارة
وفؤاد الركابي للأعمار وهديب الحاج حمود وزيراً للزراعة وإبراهيم كبة وزيراً
للاقتصاد وكان عدد الوزراء مع الرئيس 13 وزير, وكانوا وطنيين ذو كفاءة أو تكنوقراط،
واهم ما شهدته الوزارة الخلاف بين قاسم وعارف والذي أسهم بإعفائه من مناصبه
وتعيينه سفيرا في ألمانيا ثم سجنه فيما بعد، إن أهم الإحداث في عهد الزعيم قاسم
تمثلت في الإصلاح الزراعي والنفط والتعليم وحركة الشواف ومحاولة ضم الكويت
والتعامل مع الأحزاب.
مخططي ثورة 14 تموز 1958 |
الإصلاح الزراعي
أدت سياسات
النظام الملكي إلى نمو الإقطاع بشكل كبير في العراق وظهور الملكيات الإقطاعية التي
وصلت لدى البعض إلى مليون دونم والكثير إلى مئات الألوف من الدونمات سيما في جنوب
العراق وكان هناك ثلاثة ألاف من الإفراد يملكون 90% من أراضي العراق الزراعية
والتي أدت إلى ظلم كبير بحق الفلاحين العاملين بلا حقوق حقيقية في أراضي الملاكين
والشيوخ.
كان الإصلاح
الزراعي ضرورة ملحة سارع إلى إصداره قادة الثورة بعد شهرين ونصف من قيامها وهكذا
اصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 في 30/9/1958، والذي أصبح بموجبه
الحد الأعلى للملكية للأراضي التي تسقى سيحاً 1000 دونم و2000 دونم للأراضي التي
تسقى ديماً.
ويوزع ما يزيد
عن ذلك على الفلاحين بمساحات تتراوح مابين 30-60 دونم سيحاً 60-120 دونم وحددت مدة
خمسة سنوات للاستيلاء على الأراضي الخاضعة للإصلاح الزراعي، وخير الملاك في اختيار
الأرض التي يرغبون في الاحتفاظ بها فضلاً عن دفع التعويضات.
إن قانون الإصلاح
المذكور كان مرتجلاً لم يخضع للدراسة المتأنية كما أن الأراضي التي تم الاستيلاء
عليها لم تمسح على صعيد الخصوبة وطريقة الإرواء كما لم تكن هناك إحصائيات عن الأسر
الواجب تملكها، فضلا عن قيام الحزب الشيوعي بالاستيلاء السريع على الأراضي عبر أنصاره
وإرهاب الملاك رافق ذلك تعرض المحاصيل في تلك السنة إلى كوارث عديدة من الآفات
والحشرات المؤذية مما أدى إلى انخفاض الإنتاج علما بأنه تم الاستيلاء على (8)
مليون دونم من أصل (48) مليون صالحة للزراعة في العراق.
وقد أدت الفوضى
التي رافقت الاستيلاء وسوء الإنتاج لتلك السنة ورغبة الفلاحين في التمتع بالحرية إلى
تدفق (120) ألف فلاح في الجنوب إلى بغداد واستمر هذا التدفق وبهذا العدد تقريبا
طيلة سنوات حكم عبدالكريم قاسم واستقروا في مدن الصرائف وراء السدة في الاعظمية إلى
بغداد الجديدة وفي الصرافية وقرية الوشاش وقرية تل محمد (بغداد الجديدة) وشمالي
الباب الشرقي والشاكرية وقد حاول عبدالكريم قاسم حل مشكلة هذه المدن العشوائية
البائسة عبر بناء ألاف المساكن في الثورة والشعلة وتمليكها مجاناً.
السياسة النفطية
رغم إن قاسم
سارع إلى تطمين الشركات النفطية بعد الثورة وان الاتفاقيات المبرمة سيتم احترامها إلا
انه عمل جاهداً على رفع الإنتاج واستطاع العراق خلال الفترة من 1958-1963 رفع الإنتاج
بمقدار 60%، ورغم أن الإيرادات ارتفعت من 224 مليون دولار عام 1958، إلى 358 مليون
عام 1963، إلا ان اثر هذا الارتفاع كان محدوداً بسبب انخفاض الأسعار وكان لابد
لعبدالكريم من القيام بخطوة كبيرة من اجل تعزيز سيطرة العراق على نفطه وضمان حقوقه
وهكذا بدأت المفاوضات في 15/8/1960 واستمرت إلى 11/10/1960 دون نتائج تذكر وكان
يترأسها وزيري التخطيط والنفط ثم اخذ عبدالكريم قاسم يترأس الوفد العراقي شخصياً
وكان معه وزير المالية المستقيل آنذاك محمد حديد لحاجته إليه وكانت مطالب العراق
الحصول على 50% من الإرباح الصافية والمساهمة ب20% من رأس مال الشركات ويلاحظ أن
العراق تعرض خلال هذه المفاوضات لضغوط كثيرة من بريطانيا والولايات المتحدة لحماية
الشركات والتي قامت كوسيلة ضغط فعالة بتخفيض الإنتاج مع زيادة كل من إيران
والسعودية وقطر لإنتاجها رغم أن العراق كان يطالب بزيادة الإنتاج سيما بعد انجاز
الميناء العميق الذي لديه القدرة على استقبال الناقلات الكبيرة واضطر قاسم بعد أن أحس
بممارسة سياسة المماطلة من قبل الشركات إلى إصدار القانون رقم 80 لسنة 11/11/1961
والذي حدد مناطق استثمار الشركات وأعاد إلى العراق 99,5% من مساحة الامتيازات غير
المستغلة واتبع ذلك صدور قرار تأسيس شركة النفط الوطنية والتي وقع على عاتقها
القيام بالإنتاج والصناعة النفطية.
السياسة
التعليمية:
قامت الثورة
بالاهتمام بالتعليم ففتحت العديد من المدارس وازداد عدد الطلبة إلى ثلاثة إضعاف إلا
إن التعليم سرعان ما حشر في أتون الصراع السياسي وكان ذلك وبالاً على العملية
التعليمية سيما لدى طلاب الكليات حيث كان هناك جامعة واحدة آنذاك هي جامعة بغداد
وجامعة ناشئة في الموصل صغيرة فضلاً عن طلاب المدارس الثانوية وهبوط مستوى التدريس
ولا يزال المعنيين بتاريخ التعليم في العراق المعاصر يتذكرون عام العبور والذي
بموجبه ثم إنجاح كافة الطلبة.
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقاً مناسباً حول الموضوع